المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٧
الحدود والقصاص والنكاح فذلك ليس من شركة ما بينهما فنزل كل واحد منهما في المشهود به من صاحبه منزلة الأجنبي وأما في الأموال هما بعقد المفاوضة صار في ذلك كشخص واحد فكل واحد منهما فيما يشهد به لصاحبه بمنزلة الشاهد لنفسه وشهادة الشريك لشريكه وان كانا غير متفاوضين لا تجوز في تجارتهما للتهمة لان فيما يكون من تجارتهما الشاهد يثبت الحق لنفسه وصاحبه كالوكيل عنه فهو كشهادة الموكل لوكيله فيما وكله به فأما فيما ليس من تجارتهما فهو كسائر الأجانب لان تهمة الميل بسبب عقد الشركة لا تتمكن عند ظهور العدالة فان بسبب الشركة يحصل بينهما الصداقة والصديق إذا كان عدلا عاقلا يمنع صديقه من أكل الحرام ولا يحمله على ذلك بالشهادة وكذلك شهادة أجير أحد الشريكين للشريك الاخر وشهادة الأجير لأستاذه لا تجوز في شئ وإن كان عدلا أخذ في ذلك بالثقة واستحسن لما بلغنا في ذلك عن شريح رحمه الله ولحالة الناس التي هم عليها اليوم والمراد الإشارة إلى التهمة فالأجير هنا هو التلميذ الخاص وقد ظهر مثله إلى أستاذه وايثاره على غيره فكان بمنزلة الزوجية في المنع من قبول الشهادة ولأنه هو الذي يقبض ما يجب لأستاذه فكأنه يثبت حق القبض لنفسه بشهادته وقد ورد الحديث بأن لا شهادة للقانع بأهل بيته ومعنى ذلك أنه يعد خيرهم خير نفسه وشرهم شر نفسه والأجير في حق أستاذه بهذه الصفة وقيل مراده أجيرا استأجره مسانهة أو مشاهرة فإنما يستوجب الاجر بتسليم نفسه وفي الزمان الذي يسلم نفسه لأداء الشهادة له يستوجب الاجر فكان بمنزلة من استؤجر على أداء الشهادة فلهذا لا تقبل شهادته لأستاذه في شئ ولو أن رجلا كان عليه مال فشهد ابناه ان الطالب أبرأ أباهما واحتال به على فلان والطالب منكر لم تجز شهادتهما لأنهما يسقطان بشهادتهما مطالبة الطالب عن أبيهما فدفعهما عن أبيهما كدفعهما عن أنفسهما ولو كان المال على غير أبيهما فشهدا أن الطالب احتال به على أبينهما والطالب ينكر والمطلوب يدعى الحوالة والبراءة جازت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما بالمال ويلزمانه المطالبة بشهادتهما وإنما يسقطان بها مطالبة الطالب عن المطلوب وهو أجنبي عنهما فلهذا قبلنا شهادتهما ولو شهد رجلان أن لهما ولفلان على فلان كذا لم تجز شهادتهما لأنهما شاهدان لأنفسهما وهذا لأنهما يشهدان بدين مشترك أو ينصرف واحد يثبت به المال لهما ولفلان فإذا لم تقبل شهادتهما في حق أنفسهما وكان مدعيين في ذلك فكذلك في حق الثالث كما لو شهدا أنه قذف هذا وأمنا في كلمة واحدة وكذلك لو شهدا أن فلانا أبرأهما
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست