المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٥٣
شئ فإنهم يشهدون بما يعلمون لا بما لا يعلمون وكما أنهم لا يعلمون ذلك فالقاضي لا يعلم ونحن نسلم ان المشهود به لا يثبت بهذا اللفظ ولكن استحقاق الميراث له بالسبب الذي أثبته الشهود مفسرا الا انهم إذا لم يذكروا هذه الزيادة كان على القاضي أن يتلوم فربما يظهر وارث آخر مزاحم له أو مقدم عليه فهم بهذا اللفظ كفوا القاضي مؤنة التلوم ونظرا في ذلك لأنفسهم فتحرزوا عن الكذب والمجازفة لأنهم لو قالوا لا وراث له غيره كانوا مجازفين في ذلك فتحرزوا بقولهم لا نعلم له وارثا غيره وفي الحقيقة مرادهم هو الأول فما يكون من سباب التحرز عن الكذب لا يكون قدحا في شهادتهم ولو شهدوا انهم لا يعلمون له وارثا بأرض كذا وكذا غير فلان جاز ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يجز ذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله حتى يقولوا مبهمة لا نعلم له وارثا غيره لان في تخصيصهم مكانا ايهاما انهم يعلمون له وارثا في غير ذلك المكان أرأيت لو قالوا لا نعلم له وارثا سواه في هذا المجلس أكان يقتضي بالميراث لهم وأبو حنيفة يقول هذا اللفظ مبهم للمبالغة في بيان انه لا وارث له غيره ومعناه ان بلده كذا ومولده كذا ومسقط رأسه كذا ولا نعلم له بها وارث غيره فأحرى أن لا يكون له وارثا آخر في مكان آخر ثم تخصيصهم هذا المكان بالذكر في هذا اللفظ لغو لان مالا يعلم المرء لا يختص بمكان دون مكان فهو وما لو أطلقوا سواء وقولهما ان هذا ايهام فلان كان كذلك فهو مفهوم والمفهوم لا يقابل المنطوق والأصل في ذلك ما روي أن ثابت بن الدحداح لما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قبيلته هل تعرفون له فيكم نسبا قالوا لا الا ان ابن أخت له فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه لابن أخته ابن لبانة بن عبد المنذر رضي الله عنه فقد ذكروا انهم لا يعرفون له فيهم وارثا ونسبا ولم نكلفهم أكثر من ذلك ولو ادعى رجلان ولاء رجل واحد فأقام كل واحد منهما بينة انه أعتقه وهو يملكه ولا يعلمون له وارثا غيره جعلت الولاء بينهما والميراث لأنهما استويا في سبب الاستحقاق والولاء إما أن يعتبر بالنسب ولو أقاما البينة على نسبه كان الميراث بينهما لاستهوائهما في النسب أو يجعل الولاء كالملك لأنه أثر من آثار الملك وإذا استويا في إقامة البينة على الملك يقضى بالملك بينهما نصفان فان أقام أحدهما بينة قبل صاحبه وقضيت له ثم أقام الاخر بعد ذلك بينة لم نقبل منه ولم يشارك الأول لان الولاء كالنسب من حيث إنه لا يحتمل النقض والفسخ ولا يحتمل النقل من شخص إلى شخص ثم في النسب إذا ترجحت البينة الأولى بالقضاء لم تقبل بعد ذلك فكذلك
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست