المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٢٧
أيضا وبيان هذا أن نفس القذف لا يكون موجبا للحد كما قاله الخصم ولان القذف متمثل بين الصدق والكذب وربما يكون حسبه من القاذف إذا علم اضراره ووجد أربعة من الشهداء ليقيم عليه الحد ولهذا يتمكن من اثباته بالبينة ولكن وجوب الحد عليه بالقذف مع عجزه عن الاتيان بأربعة من الشهداء واليه أشار الله تعالى في قوله عز وجل ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فالمعطوف على الشرط شرط ثم العجز عن ذلك يظهر بما يظهر به العجز عن الدفع في سائر الحوادث فعند ذلك يصير القذف موجبا جلدا مؤلما محرما لقبول الشهادة وذلك منصوص عليه في قوله تعالى فاجلدوهم والفاء للتعقيب وقوله تعالى ولا تقبلوا لهم معطوف على الجلد والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه فإذا كان المعطوف عليه حدا كان المعطوف من تمام الحد كما قال الشافعي رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم وتغريب عام أنه من تمام حد البكر ولكن نقول هناك التغريب لا يصلح أن يكون حدا لما فيه من الاغراء على ارتكاب الفاحشة دون الزجر وهنا رد الشهادة صالح لتتميم الحد لأنه مؤلم قلبه كما أن الجلد مؤلم بدنه ففيه معنى الزجر ثم حرمة القاذف باللسان ورد شهادته حد في المحل الذي حصل به الجريمة وذلك مشروع كحد السرقة والمقصود من هذا الحد دفع الشين عن المقذوف وذلك في اهدار قوله أظهر منه في إقامة الجلد عليه فلهذا جعلنا رد الشهادة متمما للحد وهذا بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم للسارق اقطعوه ثم احسموه فان الحسم لا يكون متمما للحد لأنه دواء فلا يصلح أن يكون متمما للحد ثم حرف النفي في قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة لا يمنع العطف فقد يعطف النهي على الامر كما يقول لغيره اجلس ولا تتكلم وأما قوله تعالى وأولئك هم الفاسقون ليس بعطف بل هو ابتداء بحرف الواو وقد يكون ذلك لحسن نظم الكلام كقوله تعالى والراسخون في العلم وقوله تعالى ولباس التقوى وقوله تعالى ويمحوا الله الباطل وبيان أنه ليس بعطف أن قوله تعالى فاجلدوهم أمر بفعل وهو خطاب الأمة وقوله تعالى ولا تقبلوا لهم نهى عن فعل وهو خطاب الأمة أيضا وقوله تعالى وأولئك هم الفاسقون اثبات وصف لهم فكيف تتحقق المشاركة بينه وبين ما تقدم ليكون عطفا ولان قوله تعالى وأولئك هم الفاسقون بيان لجريمتهم وإزالة الاشكال أنهم لما أدي استوجبوا هذه العقوبة وما تقدم بيان الواجب بالجريمة ولا يتحقق عطف الجريمة على الواجب بها والدليل عليه انه لو كان هذا عطفا لكان من الحد أيضا فينبغي أن لا يرتفع بالتوبة كما لا يرتفع بالحد فلا تأثير للتوبة في الحد
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست