المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٣١
فتبينوا أن تصيبوا والامر بالتوقف يمنع العمل بالشهادة وهذا لان رجحان جانب الصدق لا يظهر في شهادة الفاسق لان اعتبار اعتقاده يدل على صدقه واعتبار تعاطيه يدل انه كاذب في شهادته فلتعارض الأدلة يجب التوقف ثم لما لم ينزجر عن ارتكاب محظور دينه مع اعتقاده حرمته فالظاهر أنه لا ينزجر عن شهادة الزور مع اعتقاد حرمته وعن أبي يوسف رحمه الله يقول إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة تقبل شهادته لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في شهادته فلوجاهته لا يتجاسر أحد من استئجاره لأداء الشهادة ولمروءته يمتنع من الكذب من غير منفعة له في ذلك والأصح ان شهادته لا تقبل لان قبول الشهادة في العمل بها لاكرام الشهود كما قال صلى الله عليه وسلم أكرموا الشهود فان الله تعالى يحيى الحقوق بهم وفي حق الفاسق أمر بخلاف ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا لقيت الفاسق فالقه بوجهه مكفهر ومن يكون معلنا للفسق فلا مروءة له شرعا فلهذا لا تقبل شهادته ولا شهادة آكل الربا المشهور بذلك والمعروف به المقيم عليه فإنه فاسق محارب قال الله تعالى فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ولكنه شرط أن يكون مشهورا به مقيما عليه لأن العقود الفاسدة كلها ربا قال الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا والانسان في العادة لا يمكنه أن يتحرز عن الأسباب المفسدة للعقد في جميع معاملاته فقد لا يهتدى إلى بعض ذلك فلهذا لا تسقط عدالته إذا لم يكن مشهورا بأكل الربا مصرا عليه ولا شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر لأنه مرتكب للكبيرة مستوجب للحد على ذلك وذلك تسقط عدالته وإنما شرط الادمان ليكون ذلك ظاهرا منه فان من يتهم بالشرب ولكن لا يظهر ذلك لا يخرج من أن يكون عدلا وإنما تسقط عدالته إذا كان يظهر ذلك أو يخرج سكرانا يسخر منه الصبيان فلا مروءة لمثله ولا يبالي من الكذب عادة ولا شهادة المحنث لأنه فاسق ومراده إذا كان محنثا في الردي من أفعاله فأما إذا كان في كلامه لين وفي أعضائه تكسر ولم يشتهر بشئ من الأفعال الردية فهذا عدل مقبول الشهادة (ألا ترى) ان هبت المحنث كان يدخل بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم منه كلمة شنيعة أمر باخراجه ولا شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن لشدة غفلته فالظاهر أن يكون قبله مع ذلك في عامة أحواله وأنه يقل نظره في سائر الأمور ثم هو مصر على نوع لعب وقال صلى الله عليه وسلم ما أنا من در ولا الدر منى والغالب أنه ينظر إلى العورات في السطوح وغيرها وذلك فسق فاما إذا كان يمسك الحمام في بيته يستأنس بها ولا
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست