فعلان من الزانيين؟ وفعل كل واحد منهما يظهر باقراره موجبا للحد عليه فانكارها لا يؤثر في اقراره وأكثر ما فيه أنه يمتنع بإنكارها ظهور الزنا في حقها وذلك لا يمنع وجوب الحد على الرجل كما لو كانت حاضرة ساكتة أو غائبة وكما لو قالت زنا بي مستكرهة يجب الحد عليه وإن لم يجب عليها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول فعل الزنا من الرجل لا يتصور بدون المحل وبانكارها قد انتفي في جانبها فينتفي في جانبه أيضا ألا ترى أنه لو انتفي صفة الزنا في جانبها بدعوى النكاح سقط الحد عنهما فإذا انتفي أصل الفعل أولى وهذا لان القاضي لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بها مع انكارها ألا ترى أنها تبقى محصنة لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بغيرها لأنه لم يقر بذلك وبدون القضاء بالزنا لا يتمكن من إقامة الحد وفي الغائبة قياس استحسان والفصل المستحسن لا يدخل على طريقة القياس ثم بغيبتها واستكراهها لا ينتفى الفعل في جانبها وبانكارها ينتفى ألا تري أن من أقر لإنسان بشئ وكذبه بطل اقراره حتى لو صدقه بعد ذلك لم يصح ولو كان غائبا أو حاضرا ساكتا لم يبطل به الاقرار حتى إذا صدقه عمل بتصديقه وهذا بخلاف ما إذا قالت زنى بي مستكرهة لان المحلية وأصل الفعل هناك قد ظهر في حقها ولهذا سقط احصانها به وحديث سهل بن سعد قد ضعفه أهل الحديث ثم تأويل الحديث أنها أنكرت وطالبته بحد القذف فحده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقذفه إياها بالزنا لا باقراره بالزنا على نفسه وعلى هذا لو أقرت امرأة أنه زنى بها فلان أربع مرات وأنكر الرجل فهو على الخلاف الذي بينا في إقامة الحد عليها وكلام أبي حنيفة رحمه الله تعالى هنا أظهر لان المباشر للفعل هو الرجل فلا يثبت أصل الفعل مع انكاره وان قال الرجل صدقت حدت المرأة ولم يحد الرجل لأنه بالتصديق صار مقرا بالزنا مرة واحدة وقد بينا ان بالاقرار الواحد لا يقام الحد (قال) الحربي المستأمن في دارنا إذا أقر بالزنا أربع مرات لا يقام عليه الحد وقد بينا الخلاف في هذا في البينة فكذلك في الاقرار وعلل في الأصل فقال بأنه لا يؤخذ منه الخراج ومعناه ان الجزية تؤخذ من أهل الذمة حقا لله تعالى ثم لا تؤخذ من المستأمن عرفنا انه لا يجرى عليه ما هو خالص حق الله تعالى (قال) وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فزنى هناك بمسلمة أو ذمية ثم خرج إلى دار الاسلام فأقر به لم يحد وهذا عندنا وقال الشافعي يحد لان المسلم ملتزم لاحكام الاسلام حيث ما كان ومن أحكام الاسلام وجوب الحد على الزان ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا تقام الحدود
(٩٩)