المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٨٢
العدل لم يقطع أيضا لان أهل البغي يستحلون أموال أهل العدل وتأويلهم وإن كان فاسدا فإذا انضم إليه المنعة كان بمنزلة التأويل الصحيح ألا ترى أنه لا يضمن الباغي ما أتلف من مال العادل بهذا الطريق فكذا لا يلزمه القطع (قال) ولو أن رجلا من أهل دار العدل سرق مالا من آخر وهو ممن يشهد عليه بالكفر ويستحل ماله ودمه قطعته لان التأويل ههنا تجرد عن المنعة ولا معتبر بالتأويل بدون المنعة ولهذا لا يسقط الضمان به فكذلك القطع وهذا لأنه تحت حكم أهل العدل فيتمكن امام أهل العدل من استيفاء القطع منه بخلاف الذي هو في عسكر أهل البغي فان يد امام أهل العدل لا تصل إليه فلهذا افترقا (قال) وإذا أقر السارق بالسرقة مرة واحدة قطعت يده وفى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى لا يقطع ما لم يقر مرتين وكذلك الخلاف في الاقرار بشرب الخمر وذكر بشر رجوع أبى يوسف إلى قول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وحجتهما ما روى عن علي رضي الله عنه ان رجلا أقر بالسرقة عنده مرتين فقطع يده وهذا لأنه حد لله تعالى خالصا فيعتبر عدد الاقرار فيه بعدد الشهادة كحد الزنا ولهذا روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى انه شرط اقرارين في مجلسين مختلفين وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى استدلا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بسارق فقال أسرقت ما أخاله سرق فقال سرقته فأمر بقطعه ولم يشترط عدد الاقرار فيه ولان ما ثبت بشهادة شاهدين من العقوبات يثبت باقرار واحد كالقصاص وقد بينا ان الزنا مخصوص من بين نظائره وفى الكتاب علل فقال لو لم أقطعه في المرة الأولى لم أقطعه في المرة الثانية لان المال صار دينا عليه بالاقرار الأول فهو بالاقرار الثاني يريد اسقاط الضمان عن نفسه بقطع يده فيكون متهما في ذلك وإن كان المال قائما بعينه رددته بعد الاقرار الأول قبل الاقرار الثاني فكيف يلزمه القطع بالاقرار بعد رد المال ألا ترى ان بالشهادة لا يلزمه القطع بعد رد المال فبالاقرار أولى وان رجع قبل أن يقطع درئ القطع لأنه ليس ههنا من يرد جحوده إذ القطع من حق الله تعالى فيتحقق التعارض بين الخبرين فأما في حق المال لا يصح رجوعه لان المسروق منه يكذبه في الرجوع والمال حقه (قال) فان شهد شاهدان على اقراره وهو منكر أو هو ساكت لا يقر ولا ينكر لم أقطعه لان الاقرار غير ملزم إياه حتى يتمكن من الرجوع عنه فلا يمكن اثباته بالبينة وسكوته كانكاره فان البينة لا تقبل الأعلى المنكر وانكاره بمنزلة
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست