المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٨٦
باستيفاء القصاص وإذا استوفى تعذر استيفاء القطع فيضمن المسروق فان قضى بالقصاص فعفي عنه صاحبه أو صالحه قطعت يده في السرقة لان القطع في السرقة كان مستحقا وقد سقط ما كان مقدما عليه وهو القصاص وإن لم يصالحه حتى مضى زمان وهما يتراضيان فيه على الصلح ثم صالحه درأت القطع في السرقة لتقادم العهد فان ذلك مانع من استيفاء القطع بحجة البينة وإن كان القصاص في الرجل اليسرى بدئ بالقصاص ثم يحبس حتى يبرأ ثم تقطع يده في السرقة وكذلك أن كان القصاص في شجة في رأسه لان الامام لو والي في الاستيفاء بالضرب ربما يموت لتضاعف الآلام عليه فليتحرز عن ذلك بجهده ولهذا قلنا بأنه يحبس حتى يبرأ ثم يقام عليه الحد (قال) وإذا حكم على السارق بالقطع ببينة أو باقرار ثم قال المسروق منه هذا متاعه أو قال لم يسرقه مني إنما كنت أودعته أو قال شهد شهودي بزور أو قال أقر هو بالباطل بطل القطع عنه لانقطاع خصومته وقد بينا أن بقاء الخصومة إلى وقت استيفاء القطع شرط وان المعترض بعد القضاء قبل الاستيفاء في الحد كالمقترن بأصل السبب وهذا بخلاف رد المال بعد القضاء لان رد المال منه للخصومة فالمقصود بالخصومة استرداد المال والمنتهى يكون متقررا في نفسه فكانت خصومته قائمة باعتبار قيام يده في المال وان قال قد عفوت لم يبطل القطع لان العفو اسقاط فإنما يصح من صاحب الحق والقطع حق لله تعالى لاحق للمسروق منه فيه والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجافوا العقوبة بينكم فإذا انتهي بها إلى الامام فلا عفي الله عنه ان عفي عنه فأما إذا وهب المسروق منه المال من السارق أو باعه منه فإن كان قبل قضاء القاضي بالقطع سقط القطع عنه لانقطاع خصومته وإن كان بعد القضاء فكذلك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إنه لا يسقط القطع عنه وهو قول الشافعي رحمه الله وحجتهما حديث صفوان رضي الله عنه فإنه كان نائما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسدا بردائه فجاء سارق وسرق رداءه فاتبعه حتى أخذه فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال أتقطعه بسبب ردائي وهبتها له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا قبل أن تأتيني فهذا يدل على أن الهبة بعد القضاء لا تسقط القطع ولان هذا حد لله تعالى خالصا فإذا وجب بتقرر سببه لا يمتنع استيفاؤه لملك عارض في المحل كحد الزنا فان من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد عنه وهذا لان
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست