يستريب فيهم وعندهما لا يقضي ما لم يسأل عنهم على كل حال لأنه مأمور بالقضاء بالشهادة العادلة فما لم تظهر العدالة عنده لا يجوز له أن يقضى شرعا كما في الحدود وهذا لأنه مأمور بالتوقف في خبر الفاسق منهي عن العمل به فإنما ينتفي الفسق عنهم بالتزكية فما لم يظهر ذلك عنده بالسؤال لا يحل له أن يقضى لان قبل السؤال ثبوت عدالتهم بالظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق به وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض وهكذا روى عن عمر رضي الله عنه فيما كتب به إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسلم باسلامه فتعديل صاحب الشرع إياه لا يختلف عن تعديل المزكى فيتمكن القاضي من القضاء إلا أن يطعن الخصم فهو أيضا معدل باسلامه على لسان صاحب الشرع فللتعارض احتاج الامام إلى السؤال ولهذا يتبين ان هذا ليس بقضاء بالظاهر بل بدليل موجب له وهو اسلامه فالمسلم يكون منزجرا عن ارتكاب ما يعتقد الحرمة فيه حتى يظهر خلافه ثم المستحق بشهادتهما مال إذا وقع فيه الغلط أمكن تداركه بالرد فلا يجب على القاضي الاستقصاء فيه للقضاء بخلاف الحدود وبهذا تبين ان السؤال عن الشهود هناك لحق المدعى فإنما يشتغل به عند طلبه فاما قبل الطلب لو اشتغل القاضي به كان ذلك منه انشاء لخصومة وهو مأمور بفصل الخصومة لا بانشائها فكان ذلك إعانة منه لاحد الخصمين وهو منهى عن ذلك (قال) وإذا شهد الشهود على رجل بحد هو خالص حق الله تعالى بعد تقادم العهد لم تقبل شهادتهم وقد بينا هذا في كتاب الحدود وذكرنا حد التقادم في حد الزنا والسرقة فاما في شرب الخمر فكذلك الجواب عند محمد وعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى حد التقادم زوال رائحة الخمر حتى لا يقام عليه إذا شهدوا بعد زوال رائحة الخمر أو أقر هو بذلك فمحمد رحمه الله تعالى يقول هذا حد ظهر سببه عند الامام فلا يشترط لا قامته بقاء أثر الفعل كحد الزنا والسرقة وهذا لان وجود الرائحة لا يمكن ان يجعل دليلا فقد يتكلف لزوال الرائحة مع بقاء أثر الخمر في بطن الشارب وقد توجد رائحة الخمر من غير الخمر فان من استكثر من أكل السفرجل والتفاح يوجد منه رائحة الخمر قال القائل يقولون لي انكه شربت مدامة * فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا فكان هذا شاهد زور ألا ترى أنه لا يقام الحد لوجود الرائحة ما لم يشهد الشهود عليه بالشرب
(١٧١)