من فلان الغائب وأقام البينة على ذلك قبلت بينته حتى إذا حضر الغائب وأنكر البيع لم يلتفت إلى ذلك لأنه لما كان خصما في اثبات الملك لنفسه كان خصما في اثبات سببه وسبب الإزالة ههنا السرقة فيظهر بخصومته عند الامام بلا شبهة لأنه أصل في هذه الخصومة وإنما يخاصم باعتبار حقه لا باعتبار ملك الغير ألا ترى أنه يستغنى عن إضافة الخصومة إلى غيره فإنه يقول سرق مني وأزال يدي بخلاف الوكيل وإذا ظهرت السرقة بلا شبهة استوفي الامام القطع حقا لله تعالى ولا يمتنع الاستيفاء لتوهم اعتراض اقرار من المالك إذا حضر ألا ترى أن المالك إذا حضر وغاب المودع يستوفي القطع وإن كان يتوهم أن يحضر المودع فيقر أنه كان ضيفا عنده وهذا لان المؤثر شبهة يتوهم وجودها في الحال فاما ما يتوهم اعتراضها لا يعتبر ألا ترى أن القطع يستوفى بالاقرار وإن كان يتوهم اعتراض الرجوع من المقر وصاحب اليد بهذه الخصومة إنما يقصد احياء حق المالك لا اسقاطه ولكن الامام إذا استوفى القطع حقا لله تعالى فمن ضرورته سقوط الضمان على ما نبينه فلا يصير به المودع مسقطا للضمان بل القطع مشروع بطريق الزجر فإذا علم السارق أنه لا يقطع بخصومة المودع في حال غيبة المالك يجترئ على سرقة الوديعة فلتحقيق الزجر يستوفي القطع بخصومته ويكون ذلك من الحفظ حكما كما أن الله تعالى وصف القصاص بأنه حياة وهو أمانة في الحقيقة ولكن فيه حياة بطريق الزجر فأما القصاص إنما لا يستوفى بخصومة المودع لتمكن شبهة عفو من المالك في الحال ولان اليد فيما تناوله من الايداع له وهو المالية ووجوب القصاص باعتبار معنى النفسية وذلك لا يتناوله الايداع بخلاف الخصومة في السرقة فإنه يكون في المال باعتبار معنى المالية فيكون المودع أصلا بنفسه ولان الحرز الذي هو المودع لا أثر له في القصاص بخلاف القطع فإنه لا يجب الا بهتك الحرز وأخذ المال وكل واحد منهما جناية تصلح سببا للعقوبة فكان المودع باعتبار هذا المعنى كالمودع لأنه صاحب أحد وصفي السبب فكما أن المالك أصل في الخصومة المظهرة للسرقة بلا شبهة فكذلك المودع وأما إذا سرق من السارق فإن كان الأول لم تقطع يده فهو بمنزلة الغاصب يقطع الثاني بخصومة الأول وإن كان الأول قد قطعت يده فالسرقة بعد لم تتم موجبة للقطع لأنه لا معتبر بيد السارق الأول بعدما قطعت يده فإنه ليس بيد أمانة ولا يد ضمان ولا يد ملك ولهذا لا يكون له حق الخصومة في الاسترداد ولو حضر المالك
(١٤٥)