المبسوط - السرخسي - ج ٧ - الصفحة ٢٠٦
فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول كما أخذ الصحيفة من مولاه يعتق يعنى بنفس العقد لان الصحيفة عند ذلك تكتب وكأنه جعل الكتابة واردا على الرقبة كالعتق بجعل يعتق بالقبول وهو غريم للمولى فيما عليه من بدل الكتابة وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول إذا أدى قيمة نفسه عتق وهو غريم للمولى في الفضل فكأنه اعتبر وصول قدر مالية الرقبة إلى المولى ليندفع به الضرر عنه وكان علي رضي الله عنه يقول يعتق بقدر ما أدى فكأنه يعتبر البعض بالكل وهو بناء على قوله يعتق الرجل من عبده ما شاء وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول هو عبد ما بقي عليه درهم وبه أخذ جمهور الفقهاء وقالوا لا يعتق ما لم يؤد جميع البدل والدليل عليه الحديث الذي بدأ به الكتاب ورواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها الا عشر أواقي فهو رقيق والأوقية أربعون درهما وفى هذا دليل على أنه لم يعتق شئ منه الا بأداء جميع البدل وهذا لان موجب العقد مالكية اليد في حق المكاسب والمنافع للمكاتب فإنه كان مملوكا يدا ورقبة فهو بعقد الكتابة يثبت له مالكية اليد لان مالكية اليد من كرامات بني آدم وهو مع الرق أهل لبعض الكرامات ألا ترى أنه أهل لمالكية النكاح ومالكية اليد تنفصل عن مالكية الرقبة الا ترى ان الراهن يثبت للمرتهن ملك اليد وان الغاصب يضمن بتفويت اليد فكذلك بالكتابة يثبت له مالكية اليد فاما العتق متعلق بشرط الأداء والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءا فجزءا لان ثبوت الحكم عند وجود الشرط نظير ثبوت الحكم بالعلة فلهذا لا يعتق شئ منه ما لم يؤد جميع البدل وفى هذا الحديث دليل أيضا على أنه لا يستحق على المولى حط شئ من بدل الكتابة عنه وإن كان يستحب له ذلك ما رواه عن علي رضي الله عنه في قوله وأتوهم من مال الله الذي آتاكم قال ربع المكاتبة وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه حط عن مكاتب له أول نجم حل عليه وقرأ هذه الآية ولكن الامر قد يكون بمعنى الندب فبالحديث المرفوع تبين أن المراد الندب دون الحتم وهو مذهبنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يستحق عليه حط ربع البدل وهو قول عثمان رضي الله عنه الظاهر الآية فان مطلق الامر للوجوب لان هذا عقد ارفاق يجرى بين المولى وعبده ولا يقصد المولى به التجارة وإنما يقصد ايصاله به إلى العتق فيكون ارفاقا ويستحق بكل عقد ما كان العقد مشروعا لا جله فإذا كان هذا العقد مشروعا
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست