المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ٨٦
وحجتنا في ذلك قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم والفعل الموجب للحل مسمى باسم الذكاة شرعا فلما سماه قتلا هنا عرفنا أن هذا الفعل غير موجب للحل أصلا والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب أبى قتادة رضى الله تعالى عنهم هل أعنتم هل أشرتم هل دللتم فقالوا لا فقال صلى الله عليه وسلم اذن فكلوا فإذا ثبت بالأثر أن الإعانة من المحرم توجب الحرمة فمباشرة القتل هنا أولى فان قيل كيف يصح هذا الاستدلال وعندكم الصيد لا يحرم تناوله بإشارة المحرم ودلالته قلنا فيه روايتان وقد بينا هما في الزيادات ومن ضرورة حرمة التناول عند الإشارة حرمة التناول عند مباشرة القتل فان قام هذا الدليل على انتساخ هذا الحكم عند الإشارة فذلك لا يدل على انتساخه عند المباشرة والمعنى فيه أن هذا الاصطياد محرم لمعنى الدين ولهذا حرم التناول عليه فيكون نظير اصطياد المجوسي وذلك موجب للحرمة في حق الكل فهذا مثله (قال) فان أدى المحرم جزاءه ثم أكل فعليه قيمة ما أكل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن كان قتله غيره لم يكن عليه شئ فيما أكل وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يلزمه شئ آخر سوى الاستغفار وحجتهما أن صيد المحرم كالميتة أو كذبيحة المجوسي وتناول الميتة لا يوجب الا الاستغفار. ألا ترى أنه إذا أكل منه حلال أو محرم آخر لم يلزمه الا الاستغفار فكذا إذا أكل هو منه. والدليل عليه ان الحلال إذا ذبح صيدا في الحرم فأدى جزاءه ثم أكل منه لا يلزمه شئ آخر وكذلك المحرم إذا كسر بيض صيد فأدى جزاءه ثم شواه فأكله لا يلزمه شئ آخر كذا هذا وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه تناول محظور احرامه فيلزمه الجزاء كسائر المحظورات وبيانه ان قتل هذا الصيد من محظورات احرامه والقتل غير مقصود لعينه بل للتناول منه فإذا كان ما ليس بمقصود محظور احرامه حتى يلزمه الجزاء به فما هو المقصود بذلك أولى بخلاف محرم آخر فان هذا التناول ليس من محظورات احرامه وبخلاف الحلال في الحرم لان وجوب الجزاء هناك باعتبار الامن الثابت بسبب الحرم وذلك للصيد لا للحم وكذلك البيض وجوب الجزاء فيه باعتبار انه أصل الصيد وبعد الكسر انعدم هذا المعنى يقرره ان المقتول بغير حق في حق القاتل كالحي من وجه حتى لا يرث وكالميت من وجه حتى تعتق أم الولد إذا قتلت مولاها ففيما ينبنى أمره على الاحتياط جعلناه كالحي في حق القاتل وهو جزاء الاحرام فيلزمه بالتناول جزاء آخر وأما جزاء صيد الحرم غير مبنى على الاحتياط في الايجاب فلهذا اعتبرنا معنى
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست