المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ٨٤
ثم قال عليه شاة فقاما من عنده وجعل السائل يقول لصاحبه ان فتوى أمير المؤمنين لا تغنى عنك شيئا الا ترى أنه لم يعرفه حتى سأل غيره فأرى ان تنحر راحلتك هذه وتعظم شعائر الله فسمع ذلك عمر رضي الله عنه فدعاه وعلاه بالدرة فقال أمير المؤمنين أنى لا أحل لك من نفسي شيئا حرم الله عليك فانظر لنفسك فقال عمر رضي الله عنه أراك حسن اللهجة والبيان أما سمعت الله يقول يحكم به ذوا عدل منكم فأنا ذو عدل وعبد الرحمن ذو عدل ومن يعمل بكتاب الله تعالى يسمي جاهلا فيكم فتاب الرجل عن مقالته ثم احتج محمد رحمه الله تعالى بظاهر الآية فإنه قال يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة فذكر الهدى منصوبا على أنه تفسير لقوله يحكم أو مفعول حكم الحكم فهو تنصيص على أن التعيين إلى الحاكم وفي تسمية الله تعالى فعلهما حكما دليل ظاهر على أن الالزام إليهما وليس إليهما إلزام أصل الواجب فعرفنا ان إليهما التعيين وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الحاجة إلى الحكمين لاظهار قيمة الصيد فبعد ما ظهرت القيمة فهي كفارة واجبة على المحرم فإليه التعيين لما يؤدى به الواجب كما في كفارة اليمين وكما في ضمان قيم المتلفات فان تعيين ما يؤدى به الضمان إليه دون المقومين فكذا في هذا الموضع فان اختار التكفير بالهدى فعليه الذبح في الحرم والتصدق بلحمه على الفقراء لقوله تعالى هديا بالغ الكعبة فالهدى اسم لما يهدى إلى موضع معين وان اختار الاطعام اشترى بالقيمة طعاما فيطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة وان اختار الصيام يصوم مكان طعام كل مسكين يوما وإن كان الواجب دون طعام مسكين فاما أن يطعم قدر الواجب واما أن يصوم يوما كاملا فالصوم لا يكون أقل من يوم وعندنا يجوز له أن يختار الصوم مع القدرة على الهدى والاطعام لقوله تعالى أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره وحرف أو للتخيير وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يجوز له الصيام مع القدرة على التكفير بالمال وقاس بكفارة اليمين وهدى المتعة والقران وقال حرف أو لا ينفي الترتيب في الواجب كما في حق قطاع الطريق في قوله تعالى أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الآية ولكن هذا خلاف الحقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز وقياس المنصوص باطل وإذا اختار الطعام فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به الطعام عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى المعتبر قيمة النظير وهو قول محمد رحمه الله تعالى بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير فإنما يحوله إلى الطعام باختياره
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست