المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٨٧
ألا ترى أنه إذا عاد لا يمكن أن يجعل كالمنشئ للاحرام الآن لان ما تقدم من الطواف محسوب له وكيف يجعل كالمنشئ الآن وطوافه قبل ذلك محسوب فلهذا لا يسقط عنه الدم والله أعلم بالصواب باب التلبية (قال) وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كأن يقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك اتفق على هذا رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم في نقل تلبيته فان اقتصر عليه فحسن وان زاد على هذا فحسن أيضا عندنا وبعض أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى يقولون يباح له الزيادة وأكثرهم على أن ذلك مكروه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول في تلبيته لبيك ذي المعارج لبيك فقال مه ما كنا نلبي هكذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ذكر منظوم فلا يزاد عليه كالأذان والتشهد وحجتنا في ذلك حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول في تلبيته لبيك اله الحق لبيك وعن ابن مسعود أنه خرج من مسجد الحيف يلبى فقال قائل لا يلبي هنا فقال ابن مسعود رضي الله عنه أجهل الناس أم طال بهم العهد لبيك عدد التراب لبيك وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه كأن يقول في تلبيته لبيك مرهوب منك ومرغوب إليك والنعمى والفضل والحسن لك لبيك لبيك وتأويل حديث سعد رضي الله عنه ان ذلك الرجل كان ترك التلبية المعروفة واكتفى بذلك القدر فلهذا أنكر عليه وهكذا نقول إذا ترك التلبية المعروفة كان مكروها فاما إذا أتى بالمعروف ثم زاد كان ذلك حسنا لان المقصود هو الثناء على الله تعالى واظهار العبودية من نفسه وقد نقل من طريق أهل البيت عليهم السلام تلبية طويلة من ذلك والجاريات في الفلك على مجارى من سلك ثم الحاج والقارن في قطع التلبية سواء لأنه لا يحل من النسكين قبل يوم النحر وقطع التلبية حين يرمى جمرة العقبة وقد بينا وقت قطع التلبية في حق فائت الحج والمحصر ومن أفسد حجه وإنما يصير محرما بالتلبية إذا نوى الاحرام فأما بدون النية لا يصير محرما وان لبى كما لا يصير بالتكبير شارعا في الصلاة إذا لم ينو والتهليل والتسبيح بنية الاحرام به بمنزلة التلبية كما عند افتتاح الصلاة وقد بينا الفرق بينه وبين الصلاة لأبي يوسف رحمه
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست