المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ٧٢
أحصر بالحديبية مع أصحابه فأمرهم بالحلق بعد بلوغ الهدايا محلها وكره لهم تأخير ذلك حتى ذكر ذلك لام سلمة رضي الله عنها فقالت ابدأ بنفسك يا رسول الله فإنهم يظنون أن في نفسك رجاء الوصول إلى البيت للحال فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأوا ذلك منه بادروا إلى الحلق ولأنه لو لم يحصر لكان يتحلل بالحلق عند أداء الاعمال فكذلك بعد الاحصار ينبغي أن يتحلل بالحلق لقدرته على أن يأتي به وان عجز عن سائر الأفعال وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الحلق إنما يكون نسكا بعد أداء الأفعال فأما قبل أداء الأفعال فهو جناية فإذا تحقق عجزه عن ترتيب الحلق على سائر الأفعال لا يلزمه أن يأتي به وإنما تحلله بالهدى هنا والدليل عليه أن الله تعالى نهى المحصر عن الحلق حتى يبلغ الهدى محله بقوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فذلك دليل الإباحة بعد بلوغ الهدى محله لا دليل الوجوب فأما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فقد ذكر أبو بكر الرازي ان عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إنما لا يحلق المحصر إذا أحصر في الحل أما إذا أحصر في الحرم يحلق لان الحلق عندهما مؤقت بالحرم ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان محصرا بالحديبية وبعض الحديبية من الحرم على ما روى أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل ومصلاه في الحرم فإنما حلق في الحرم وبه نقول على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالحلق ليحقق به عزمهم على الانصراف ويأمن المشركون من جانبهم ولا يشتغلون بمكيدة أخرى بعد الصلح (قال) وليس على الحاج إذا قصر أن يأخذ شيئا من لحيته أو شاربه أو أظفاره أو يتنور لان التقصير قائم مقام الحلق ولو أراد الحلق لم يكن عليه ذلك في لحيته ولا في شاربه فكذلك التقصير وان فعل لم يضره لأنه جاء أوان التحلل وهذا كله مما يحصل به التحلل لأنه من جملة قضاء التفث (قال) وان حلق المحرم رأس حلال تصدق بشئ عندنا. وقال الشافعي رضي الله عنه لا شئ عليه لان المحرم ممنوع عن إزالة ما ينمو من البدن عن نفسه لما فيه من معنى الراحة والزينة له ولا يحصل شئ من ذلك بحلق رأس الحلال فلا يلزمه به شئ ألا ترى أن الحلال لو حلق بنفسه لم يلزمه شئ ولكنا نقول إن إزالة ما ينمو من بدن الآدمي من محظورات الاحرام فيكون المحرم ممنوعا عن مباشرة ذلك من بدن غيره كما يكون ممنوعا من مباشرته في نفسه بمنزلة قتل الصيد فإنه جان في قتل صيد غيره كما يكون جانيا
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست