مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ١٣٦
ما واجهه به من ذلك هو من قبيل الاقرار وله أن يحكم بالاقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به أي بإقراره ويتمول المال بإقراره، ولا يحكم في شئ من ذلك بالبينة. والأصل في ذلك قطع أبي بكر رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته أسماء لما اعترف بسرقته، وإن كان في حديث الموطأ فاعترف به لأقطع أو شهد عليه على الشك فالصواب ما في غير الموطأ أنه اعترف به من غير شك إذا لو لم يعترف لما قطعه بالبينة، كما لو كان المسروق له إذ لا فرق بين كونه له أو لزوجته في هذا لان متاعها كمتاعه. والدليل على ذلك قول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن الحضرمي لما جاءه بغلامه فقال إن هذا سرق مرة لامرأتي: لا قطع عليه. هذا خادمكم سرق متاعكم. ألا ترى أن الرجل لا يجوز أن يشهد لنفسه؟ فإن كان يحكم الاقرار في مال كما يحكم به في مال غيره كان أحرى أن يحكم بالاقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره لما يتعلق في ذلك من الحق لله، لان الجرأة على القضاة والحكام بمثل هذا توهين لأمرهم وداعية إلى الضعف على استيفاء الحقائق في الاحكام، فالمعاقبة في مثل هذا أولى من التجاوز والعفو. وقاله في الواضحة انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: قال اللخمي: وما اجتمع فيه حق له ولله في جواز حكمه فيما هو لله كمن شهد عنده عدلان بأنه سرق من ماله ما يقطع فيه في حكمه بقطعه قولا ابن المواز وابن عبد الحكم. قلت: هذا يوهم أن قول محمد إنما هو فيما شهد به عدلان. وفي النوادر ما نصه: قال أشهب في المجموعة: إن أخذ القاضي فله قطعه ولا يحكم عليه بالمال. وكذا في الموازية وفي المجموعة. وكذا في محارب قطع عليه الطريق فليحكم عليه بحكم المحارب ولو جاء تائبا.
فرع: مما يجري مجرى القاضي في المنع من الحكم لمن يتهم عليه المفتي يعني لمن يتهم عليه ممن لا تجوز شهادته له، وينبغي للمفتي الهروب من مثل هذا. انتهى من الركن الثالث المقضى له.
فرع: قال الأقفهسي في شرح المختصر في آخر باب الأقضية. وسئل ابن أبي زيد: هل يجوز الحكم للمغترقي الذمم بالغصوب الممتنعين باليد القاهرة على أحد ولا يجوز الحكم لا لهم ولا عليهم؟ وما لم يعلم له مالك بعينه ولا هو عين المغصوب مما بأيديهم، فهل يحكم له بحكم الفئ أم لا؟ فأجاب: من كان مغترق الذمة فلا يحكم له بما ليس له ولو كان عين الغصب وما بأيديهم إذا لم يعلم له مالك معروف ولا يعرف وإرث مالكه ولا من يستحقه على حال من الأحوال ولا يمكن أن يتحاصص في ماله بتجر ولا غيره إذ لا يحصل ما غصب ولا أقربه ولا يمكن تحريه. فإن كان ممن غصبه فقراء فيفرق فيهم ويعطى منهم من كان صغيرا قدر ما يرى، وإن كان لا يوجد فيمن غصبه مستحق للصدقة كان حكمه حكم الفئ وذلك حكم
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست