مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ١٤٠
فرع: اختلف في أحكام العمال، فظاهر قول مالك في رسم سلف من سماع ابن القاسم من الأقضية أنها محمولة على الرد حتى يتبين أنها كانت أمضيت بحق فتجوز، وهو خلاف ما وقع من قوله في المدونة فيما قضت فيه ولاة المياه أن ذلك جائز إلا أن يكون جورا بينا، لان هذا يقتضي أنها على الإجازة فلا ينظر فيها ولا تتعقب ما لم يتبين فيها الجور البين.
وهذا الاختلاف إنما يصح في غير العدل من الولاة، فمرة رآها جائزة ما لم يتبين الجور وهو مذهب أصبغ، ومرة رآها مردودة ما لم يتبين فيها الحق وهذا هو اختيار ابن حبيب. وأما العدول منهم فلا اختلاف أن أحكامهم محمولة على الجواز وأنها لا يرد منها إلا ما تبين فيه الجور، ويحتمل أن يحمل ما في المدونة على العدل، وما في سماع ابن القاسم على غيره، فلا يكون اختلاف من قول مالك.
فرع: قال ابن رشد: وإن جهل حاله فالذي أقول به أنه ينظر إلى الذي ولاه، فإن كان عدلا فهو محمول على العدالة، وإن كان جائرا يولي غير العدول، فهو محمول على غير العدالة وإن كان غير عدل إلا أنه لا يعرف بالجور في أحكامه ولتوليته غير العدول جرى ذلك على الاختلاف في جواز أحكامه انتهى. وفي شرح مسلم للقرطبي في كتاب الامارة في بعث معاذ وأبي موسى رضي الله عنهما إلى اليمين وقتل المرتد قال: وفيه - يعني الحديث - حجة على أن لولاة الأمصار إقامة الحدود في القتل والزنا وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. واختلف في إقامة ولاة المياه وأشباههم لذلك، فرأى ذلك أشهب لهم إذا جعل ذلك الامام لهم. وقال ابن القاسم نحوه. وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الأمصار ولا يقيمه عامل السواد. واختلف في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيدة بنوع من الاحكام، فالجمهور على أن جميع ذلك لهم من إقامة الحدود وإثبات الحقوق وتغيير المنكر والنظر في المصالح، قام بذلك قائم أو اختص بحق الله، وحكمه عندهم حكم الوصي المطلق في كل شئ إلا ما يختص بضبطه بيضة الاسلام من إعداد الجيوش وجباية الخراج. انتهى ونحوه لعياض في الاكمال.
فرع: قال ابن رشد أيضا: واختلف الشيوخ عندنا في أحكام ولاة الكور، فأمضاها أبو إبراهيم، ولم يجزها اللؤلئي حتى يجعل إليه مع القيادة والنظر في أمور الكورة النظر في الاحكام، واستحسن ابن أبي زمنين إذا كان للكورة قاض قد أفرد للنظر في الاحكام أن لا يجوز حكم الولاة، وإن لم يكن لها قاض أن يجوز حكمهم لما للناس في ذلك من الرفق، وهذا أحسن الأقوال وأولاها بالصواب لأنه إذا ولي مع القائد حاكم فقد بان أنه حجر عليه الحكم في الاحكام، وإذا لم يول معه وجب أن يجوز حكمه كما قال مالك في ولاة المياه.
انتهى من الرسم المذكور. وولاة المياه قال في التنبيهات: وولاة المياه البوادي الذين يسكنون
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست