التطوع وهذا حال القوم الذين ينظرون في خلاص ذممهم ويفكرون في ذلك انتهى. والظاهر من حال من ذكر أن له مالا ببلده أنه كان لا يمكنه بيعه ولا التوكيل في ذلك والاتيان به وإلا لو قدر على ذلك للزمه والله أعلم. ص: (أو سؤال مطلقا) ش: يعني أن الحج لا يجب على من لا يمكنه الوصول إلى مكة إلا بالسؤال. وقوله مطلقا أي سواء كانت عادته السؤال ببلده أو لم تكن، وسواء كانت العادة إعطاءه أو لم تكن. أما إذا لم تكن عادته السؤال فلا خلاف أنه لا يجب عليه الحج وسواء كانت العادة إعطاءه أم لا. وكذلك إذا كانت عادته السؤال ولم تكن العادة إعطاءه ففي هذه الثلاث صور لا إشكال في سقوط الحج ولا في منعه إذا لم تكن العادة إعطاءه، سواء كانت عادته السؤال أم لا، لأنه من الالقاء بنفسه إلى التهلكة. وأما إذا كانت العادة إعطاءه ولم تكن عادته السؤال فيختلف في خروجه على قولين الإباحة والكراهة. نقلهما ابن رشد في سماع أشهب والأرجح منهما الكراهة كما سيأتي، ونقلهما المصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهما. وأما الصورة الرابعة وهي ما إذا كانت عادته في بلده السؤال ومنه عيشه والعادة إعطاءه فقال المصنف في توضيحه ومنسكه: إن ظاهر المذهب إنه لا يجب عليه الحج ويكره له الخروج وجزم به هنا. وقال في الشامل: إنه المشهور وأقر في شروحه كلام المؤلف على إطلاقه، وكذلك البساطي والشيخ زروق ولم ينبه عليه ابن غازي.
قلت: ونصوص أهل المذهب التي وقفت عليها مصرحة بخلاف ذلك وأن الحج واجب على من عادت السؤال إذا كانت العادة إعطاءه. قال القاضي عبد الوهاب في التلقين: فإن وجد الراحلة وعدم الزاد لم يلزمه إلا أن تكون عادته السؤال انتهى. وله نحوه في المعونة. وقال أبو إسحاق التونسي في أول كتاب الحج: ومن شأنه في موضعه السؤال هو يقدر على المشي والسؤال في طريقه كما يسأل في بلده ولا يتعذر عليه فعليه فرض الحج لأنه مستطيع والقدر الذي يتسبب به في بلده غير معدوم في الطريق انتهى. وقال ابن الحاج في منسكه: وإن كانت المسألة عادته لزمه الحج انتهى. وقال صاحب الطراز: أصحابنا يقولون: إذا كان ذلك معيشته في أهله كان استطاعة في حقه. ووجه أن من لا يقدر على حرفة من المساكين فالسؤال في حقه خفيف لأجل حاجته، فإذا كان في أهله يسأل فسواء في حقه قطن أو ظعن ويلتحق ذلك بسائر الحرف التي تكتسب بها المعيشة انتهى. قال ابن رشد في شرح المسألة الخامسة من سماع أشهب من كتاب الحج: وإن كان ممن يقدر على المشي من غير مشقة تفدحه وما يعيش به في بلده لا يتعذر عليه في طريقه من صناعة لا يعدمها أو سؤال لا يتعذر عليه فالحج واجب عليه