مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٢١
المبادرة في أول سنة وإنما تجب عند خوف الفوات إما لفساد الطريق بعد أمنها أو لخوف ذهاب ماله أو صحته أو ببلوغه الستين؟ قال البرزلي وغيره: أو يخاف عجزه في بدنه فيجب حينئذ على الفور اتفاقا؟ ذكر المصنف في ذلك قولين مشهورين: الأول منهما رواه ابن القصار والعراقيون عن مالك وشهره صاحب الذخيرة وصاحب العمدة وابن بزيزة، والقول الثاني منهما شهره ابن الفاكهاني في كتاب الأقضية من شرح الرسالة. قال في التوضيح: والباجي وابن راشد والتلمساني وغيرهم من المغاربة يرون أنه المذهب انتهى.
قلت: يعني أنهم يرون أن مسائل المذهب تدل عليه وليس مراده أنهم لم يحكوا خلافه فقد قال ابن رشد في المقدمات: اختلف في الحج هل هو على الفور أو التراخي: فحكى ابن القصار عن مالك: إنه عنده على الفور ومسائله تدل على خلاف ذلك. شهر ذكر المسائل التي يؤخذ منها التراخي. وحاصل نصوصهم أن المذهب اختلف على قولين مشهورين: هل وجوب الحج على الفور أو التراخي؟ والقائل بهذا القول الثاني يرى التوسعة مغياة بما تقدم من خوف الفوات، وذلك يختلف باختلاف الناس بالقوة والضعف وكثرة الأمراض وقلتها وأمن الطريق وخوفها. وحده سحنون بستين سنة قال: ويفسق وترد شهادته إذا زاد عليها. قال في التوضيح قال صاحب التمهيد: ولا أعلم أحدا قال يفسق وترد شهادته غير سحنون انتهى. زاد ابن الحاج والتادلي عن صاحب التمهيد: وهذا توقيت لا يجب إلا بتوقيف من يجب له التسليم قال:
وكل من قال بالتراخي في هذه المسألة لا يجدي ذلك والحدود في الشرع لا تؤخذ إلا ممن له أن يشرع، وقد احتج بعض الناس لسحنون بما ورد في الحديث المأثور عن النبي (ص) أنه قال أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقل من يجاوز ذلك وهذا لا حجة فيه لأنه كلام خرج عن الأغلب أيضا، ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته ودينه وأمانته بمثل هذا من التأويل انتهى. والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وقال: إنه على شرط مسلم. وقال صاحب الطراز: إذا قلنا يجب على التراخي فله تأخير ما لم يخف عجزه عنه كما يقول في الكفارات. ويلزم على هذا إذا اخترمته المنية أن لا يعصى وهو قول بعض الشافعية، وأنه متى يخاف الفقر والضعف ولم يحج حتى مات أثم وعصى. وغير ممتنع أن يعلق الحكم على غلبة الظن كقوله تعالى * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) * وإنما أراد إذا غلب على ظنه إذا أخره وهو شاب مقتدر وفي نيته فعله فمات على ذلك الحال كان ذلك عذرا طرأ على ما يجوز له فعله فلا يأثم بذلك. وقال بعضهم: يأثم بكل حال وإنما جوز له التأخير بشرط السلامة كما جوز للمعلم ضرب الصبيان، وللزوج ضرب الزوجة بشرط السلامة. واختلف هؤلاء متى يعصى فقال بعضهم: يعصى
(٤٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 ... » »»
الفهرست