إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ١ - الصفحة ٢١٠
أخذا بالأسوأ أي بالأحوط. فلو تيقن ترك شئ من الأركان وجوز أنه سجدة أو سجدتان، أخذ بالأحوط وجعله سجدتين.
وهكذا. (قوله: وبنى على ما فعله) أي وبنى صلاته على ما أتى به من الأركان. فإن كان في حالة سجوده مثلا جوز أن المتروك الفاتحة، قام وأتى بها وبنى صلاته عليها، أي تمم صلاته بانيا على الفاتحة بأن يركع ويعتدل. وهكذا. (قوله:
وتدارك الباقي) معطوف على أجزأه. أي أجزأه ذلك المثل وتدارك الباقي من صلاته لأنه ألغى ما بينهما. ويسن أن يسجد للسهو آخرها لان ما أبطل عمده يسجد لسهوه. (قوله: نعم، إلخ) استدراك على قوله: أجزأه. أي محل الاجزاء بالمثل عن المتروك إن كان ذلك المثل من الصلاة. فإن لم يكن من الصلاة، كأن ترك السجدة الأخيرة وقام وقرأ آية السجدة وسجد، فإنه لا يجزئه سجود التلاوة عن المتروك لأنه ليس مما تشمله الصلاة. وقوله: لم يجزئه أي سجود التلاوة عن المتروك. (قوله: أما المأموم إلخ) مقابل قوله فيما تقدم غير مأموم. والتفصيل الذي ذكره فيه مخصوص بما إذا كان المتروك الفاتحة، أما إذا كان غيرها من بقية الأركان فلا يتأتى فيه بل يتابع الامام فيما هو فيه ويأتي بعد سلامه بركعة، كما مر التنبيه عليه. (قوله: فيقرؤها) أي يتخلف لقراءتها، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة كما سيأتي. (قوله: وبعد ركوعهما) أي وإذا علم أو شك في ذلك بعد ركوعه وركوع إمامه. وقوله: لم يعد بفتح الياء من عاد، وهو جواب الشرط المقدر.
(قوله: فرع: سن دخول صلاة إلخ) قال حجة الاسلام الغزالي: واعلم أن تخصيص الصلاة من الشوائب والعلل، وإخلاصها لله تعالى، وأداءها بالشروط الظاهرة والباطنة من خشوع وغيره، سبب لحصول أنوار القلب، وتلك الأنوار مفاتيح علوم المكاشفة. فأولياء الله المكاشفون بملكوت السماوات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة، لا سيما في السجود، إذ يتقرب العبد من ربه عز وجل بالسجود. ولذلك قال تعالى: * (واسجد واقترب) * فليحذر الانسان مما يفسدها ويحبطها، فإنها إذا فسدت فسدت جميع الأعمال، إذ هي كالرأس للجسد.
وورد أنها عرس الموحدين، لأنه يجتمع فيها أنواع العبادة، كما أن العرس يجتمع فيه أنواع الطعام. فإذا صلى العبد ركعتين يقول الله: عبدي، مع ضعفك أتيتني بألوان العبادة قياما وركوعا وسجودا وقراءة وتحميدا وتهليلا وتكبيرا وسلاما، فأنا مع جلالتي وعظمتي لا يجمل مني أن أمنعك جنة فيها ألوان النعيم. أوجبت لك الجنة بنعيمها كما عبدتني بألوان العبادة، وأكرمك برؤيتي كما عرفتني بالوحدانية. فإني لطيف أقبل عذرك وأقبل الخير منك برحمتي، فإني أجد من أعذبه من الكفار وأنت لا تجد إلها غيري يغفر سيئاتك. عندي لك بكل ركعة قصر في الجنة وحوراء، وبكل سجدة نظرة إلى وجهي. وهذا لا يكون إلا لمن أخلص فيها لله وحده. اه‍.
قال بعض العارفين: ينبغي لمن أراد الصلاة الكاملة أن يستعد لها قبل دخول الوقت بالوضوء، وإذا دخل الوقت صلى السنة الراتبة، لان العبد ربما تشعب باطنه وتفرق همه - من نحو المخالطة وأمر المعاش - فتحصل له كدورة. فإذا قدم السنة زال ذلك، ثم يجدد التوبة عند الفريضة من كل ذنب عمله، ومن الذنوب عامة وخاصة، ويستقبل القبلة بظاهره والحضرة الإلهية بباطنه، ويقرأ قل أعوذ برب الناس، ثم يرفع يديه ويستحضر في تحرمه عظمة الاله وكبرياءه، ويعلم أن معنى أكبر أنه أكبر من أن يتعاظمه شئ أو يكون في جنب عظمته، وليس معناه أنه أكبر مما سواه من المخلوقين إذ ليس له مشابه.
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست