إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
السورة من القرآن، وأن طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها، إلى أن قال: وظاهر كلام طاوس أنحمل الامر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته. وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب، ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه. اه‍. ونقل القول بالوجوب عن ابن حزم. اه‍. (قوله: وهو اللهم إلخ) أي الآكد الذي أوجبه بعض العلماء هو ما ذكر، وذلك لما رواه أبو هريرة: إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنه المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. (قوله: ومن فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت. قال القليوبي: وفتنة المحيا بالدنيا والشهوات ونحوهما، كترك العبادات. وفتنة الممات بنحو ما عند الاحتضار أو فتنة القبر. اه‍. وقال ع ش: يحتمل أن المراد بفتنة الممات الفتنة التي تحصل عند الاحتضار، وإضافتها للممات لاتصالها به. أو أن المراد بها ما يحصل بعد الموت، كالفتنة التي تحصل عند سؤال الملكين. وهذا أظهر، لان ما يحصل عند الموت شملته فتنة المحيا. اه‍.
(قوله: ومن فتنة المسيح الدجال) بالحاء المهملة، لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس. وبالخاء المعجمة، لأنه ممسوخ العين. والدجال: الكذاب. من الدجل، وهو التغطية، لأنه يغطي الحق بالباطل.
ومن خبره ما قيل أنه يأتي والناس في ضيق عظيم، ومعه جبلان واحد من لحم وآخر من خبز، ومعه جنة ونار، ومعه ملكان واحد على يمينه وآخر عن يساره، فيقول: أنا ربكم. فيقول الملك الذي عن يمينه: كذبت. فيجيبه الآخر الذي عن شماله: صدقت. ولم يسمع أحد إلا قول الملك الذي عن شماله: صدقت. وهذه فتنة عظيمة أعاذنا الله منها.
(قوله: ويكره تركه) ظاهر العبارة أن الضمير راجع لهذا الآكد فقط، ومقتضاه أنه يكره تركه وإن أتى بدعاء غيره.
وصريح التحفة أنه يكره ترك الدعاء مطلقا، هذا وغيره، ونصها مع الأصل: وكذا الدعاء بعده - أي بعد ما ذكر كله - سنة، ولو للامام، للامر به في الأحاديث الصحيحة. بل يكره تركه للخلاف في وجوب بعضه الآتي. اه‍. فلو قدمه وذكره قبل قوله: وأما التشهد الأول، لكان أولى. (قوله: ومنه) أي المأثور. (قوله: اللهم اغفر لي ما قدمت) أي ما تقدم مني من الذنوب. (قوله: وما أخرت) أي ما يقع من الذنوب آخرا، فاغفر لي إياه عند وقوعه. وهذا لا استحالة فيه لأنه طلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع، وإنما المستحيل طلب المغفرة الآن لما سيقع، وهذا ليس مرادا. وقوله: وما أسرفت أي جاوزت به الحد. (قوله: أنت المقدم) أي الذي تقدم الأشياء وتضعها في مواضعها. (قوله: وأنت المؤخر) أي الذي تؤخر الأشياء إلى مكانها. فهو سبحانه وتعالى يضع الأشياء في محالها، فمن استحق التقديم قدمه، ومن استحق التأخير أخره. (قوله: رواهما) أي الدعاءين المذكورين. (قوله: ومنه أيضا اللهم إلخ) أي ومن المأثور أيضا: اللهم إني ظلمت نفسي - أي أسأت إليها - بمخالفتك وطاعة عدونا وعدوك، وفيه اعتراف على نفسه بالذنب والندم على ذلك. (قوله:
مغفرة من عندك) أي لا يقتضيها سبب من العبد من العمل ونحوه. اه‍ بجيرمي. (قوله: ويسن أن ينقص دعاء الامام إلخ) قال في التحفة: بل الأفضل أن ينقص عن ذلك - كما في الروضة وغيرها - لأنه تبع لهما، فإن ساواهما كره. أما المأموم فهو تابع لامامه، وأما المنفرد فقضية كلام الشيخين أنه كالامام. لكن أطال المتأخرون في أن المذهب أنه يطيل ما شاء ما لم يخف وقوعه في سهو. ومثله إمام من مرأى محصورين رضوا بالتطويل. وظاهر أن محل الخلاف فيمن لم يسن له
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست