شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٢٤
(كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
أي، طريقا ومنهاجا من تلك الطريقة جاء. فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.) ولما كان اللبن صورة العلم - كما أوله رسول الله، صلى الله عليه و سلم، في رؤياه به - مثل وشبه تعليم الشرائع بتحريم المراضع. أي، كما حرم أن لا يشرب موسى لبن أحد غير أمه التي هي أصله، كذلك علم الشرائع من لدنه، وجعله نبيا صاحب شريعة غير متابع لشريعة غيره، فكان يأخذ الشريعة والعلم من الله منبع العلوم ومحتد الشرائع، وكان يكلمه كفاحا، (16) أي، من غير حجاب.
ثم، استدل بقوله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا). وفسر (الشرعة) بالطريق، و (المنهاج) أيضا هو الطريق. لكن لما يوقف عليه، يصير منهاجا، فشبهه بالكلمتين: إحديهما: (منها)، والآخر: (جاء). فأخذ عليهما وفسر بقوله: أي من تلك الطريقة جاء. فصار قوله منهاجا إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ونزل إلى هذا العالم، وليس إلا الحق، فإنه منه بدأ كل شئ وإليه يعود، فهو المبدأ والمعاد. (فهو غذاؤه، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.) أي، فالأصل الذي منه جاء موسى وحصل في هذه النشأة العنصرية هو غذاؤه، لا يتغذى إلا منه. أي، لا يستفيض المعاني وما به قوامه ولا يجد المدد إلا من أصله، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى ولا يجد المدد إلا من أصله.
ولما جعل الأصل غذاءا للفرع، والغذاء قد يكون حلالا وقد يكون حراما، نقل الكلام إليهما بقوله: (فما كان حراما في شرع، يكون حلالا في شرع آخر، يعنى في الصورة: أعني قولي يكون حلالا. وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، لأن الأمر خلق جديد ولا تكرار. فلهذا نبهناك.) أي، الذي كان حراما في شريعة ثم صار حلالا في شريعة أخرى، أو بالعكس، ليس إلا بحسب الصورة. وأما في

(16) - أي، شفاها.
(١١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1119 1120 1121 1122 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 ... » »»