شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٠٨
ومنها كثرة أمته. كما جاء في حديث (العرض) في القيامة الكبرى (2) ومنها قوله، عليه السلام: (لا تفضلوني على موسى: فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطشا بقائمة العرش. فلا أدرى أجوزي بصعقة الطور، أو كان ممن استثنى الله تعالى). وبكمالات أخرى يظهر لمن يتأمل في قصته في القرآن.
(حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله. لأنه قتل على أنه موسى، وما ثمة جهل، فلا بد أن يعود حياته على موسى، أعني حياة المقتول من أجله. وهي حياة ظاهرة على الفطرة، ولم يتدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة (بلى)، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى، عليه السلام.) اعلم، أنه قد مر في المقدمات أن الوجود حقيقة واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر، وتتعدد بحسب التجليات والتعينات، فتتكثر وتصير أرواحا وأجساما و معاني روحانية وأعراضا جسمانية. والأرواح منها كلية ومنها جزئية. فأرواح الأنبياء، عليهم السلام، أرواح كلية يشتمل كل روح منها على أرواح من يدخل في حكمه ويصير من أمته، كما أن الأسماء الجزئية داخلة في الأسماء الكلية على ما بينا في فصل الأسماء. وإليه أشار بقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا واحدة لله حنيفا). وإذا كان الأمر كذلك، يجوز أن يتحد بعض الأرواح مع بعض بحيث لا يكون بينهما امتياز، كاتحاد قطرات الأمطار وأنوار الكواكب مع نور الشمس في النهار.

(2) - قال تبارك اسم ربنا: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ). وقد أخبر نبينا، صلى الله عليه وآله، في حديث أرض القيامة حال عرض الأمم عليه أنه لم ير أمة نبي من الأنبياء أكثر من أمة موسى. ولكن الواقع يدل على أن أمة موسى أقل من كل أمة، وأنه أقل أمة من عيسى ومحمد، عليهما السلام. ومن المعلوم أن أمة عيسى ملأ العالم بحيث لا تعدو لا تحصى، وبعده أن نبينا أكثر أمة بعد أمة عيسى، عليه السلام.
(١١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1103 1104 1105 1106 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 ... » »»