شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٠٩
فإذا علمت هذا، فلنرجع إلى المقصود فنقول: الحكمة في قتل الأبناء على يد فرعون هي أن تعود أرواحهم مع الروح الموسوي ويمدونه في الغلبة على فرعون و قومه، وكل من قتل من الأبناء على أنه موسى رجع مع الروح الموسوي، وأعانه في هلاك فرعون، لتحصل المجازاة والقصاص الذي لا بد منه الوجود.
وقوله: (وما ثمة جهل) معناه أن فرعون كان يقتلهم على أنهم موسى، وما كانوا عين موسى، ولا يقتل الشخص لغيره، كما قال: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). والفاعل الحقيقي هو الحق، وهو العليم الخبير، لا يجهل على ما يجرى في وجوده، ولا يفعل إلا ما ينبغي أن يفعل، فقتل الأبناء في المادة الفرعونية على أنها موسى كان لعلمه في الأزل على أنهم يجتمعون مع الروح الموسوي في هلاك فرعون، فما كان الهلاك عن جهل، بل عن علم متقن بما هو الأمر عليه، وإن كان لا يشعر فرعون بذلك تفصيلا، ويشعر به إجمالا، لذلك أمر بقتلهم. فاجتمعت أرواحهم واتحدت، فظهرت بالصورة الموسوية استيفاء لحقوقهم وإعانة لربهم و مددا لنبيهم، إذ كانوا على الفطرة الأصلية والطهارة الأزلية، ما عملوا شيئا يجب به قتلهم. فإذا اتحدت وظهرت في الصورة الموسوية، ظهرت معها جميع ما كانت مهيئا لهم من الاستعدادات والكمالات المترتبة عليها.
(وهذا اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد من قبله) أي، هذا الاجتماع للإمداد والاتحاد للأرواح اختصاص إلهي لأجل موسى، عليه السلام، ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء، عليهم السلام، قبل موسى.
ولما كان هذا حكمة من جملة الحكم التي خصه الله بها، قال: (فإن حكم موسى كثيرة. وأنا إن شاء الله تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.) أي، عينه في قلبي للإظهار.
(فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب.) أي، أول ما خوطبت به في المكاشفة من الحضرة المحمدية في هذا الفص الموسوي كان هذا المعنى المذكور، وهو اتحاد أرواح الأبناء المقتولين وعودهم في المادة الموسوية. فالشيخ، رضى الله
(١١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1104 1105 1106 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 1114 ... » »»