شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١١٢
(كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يبرز بنفسه للمطر إذا نزل، ويكشف رأسه له) أي، للمطر (حتى يصيب منه، ويقول: إنه حديث عهد بربه. فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها. فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه قد فكان مثل الرسول الذي ينزل إليه بالوحي.) أي، كان المطر بالنسبة إليه مثل الملك الذي أرسل إليه بالوحي. فإن الكمل يجدون في جميع ما يدركونه بالحواس الظاهرة معاني نزلت إليهم من الحضرة الإلهية في صور المحسوسات وخصوصا المطر، فإنه صورة العلم النازل من الحضرة والبروز إليه. هو إشارة إلى تلقى الروح الكامل إلى ما يفيض عليه. و (كشف الرأس) إشارة إلى رفعه الموانع عن ظهور الحقائق والعلوم، وإلى أن محل ظهور المعاني الكلية والجزئية الدماغ، كما أن محل حصول الوجدانيات هو القلب.
(فدعاه بالحال بذاته) أي، دعا المطر الرسول بلسان الحال وذاته. (فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه.) أي، فبرز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المطر ليصيب منه ما أتى المطر به من حضرة ربه من المعاني والأسرار، كالحياة والعلم والرزق وغير ذلك.
وعدى (أتى) بنفسه، كما قال تعالى: (هل أتيك حديث الغاشية). وب‍ (الباء) كما يقال: أتيت زيدا بفلان.
و (من ربه) متعلق ب‍ (أتى). كما يقال: أتيتك بزيد من البصرة. وليس بيانا ل‍ (ما).
(فلولا، ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه ما برز بنفسه إليه.) (الفائدة) عطف بيان (ما). أي، فلولا الفائدة الإلهية التي حصلت له من المطر بواسطة ما أصاب إليه من المطر، ما برز الرسول، صلى الله عليه وسلم، إليه بنفسه.
(فهذه رسالة ماء، جعل الله تعالى منه كل شئ حي. فافهم.) لما كان الماء أصل الأشياء ومظهرا للحياة وحاملا للأسرار الإلهية التي هي فيه بالقوة، جعله رسولا ونبه على كونه أصل كل شئ حي. فافهم.
(١١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 1114 1115 1116 1117 ... » »»