أي، بدليل قوله: ((ووهبنا له من رحمتنا). يعنى لموسى (أخاه هارون نبيا). فكانت نبوته من حضرت الرحموت.) أي، من حضرة (الرحمة). سميت ب (الرحموت) مبالغة، كما يسمى عالم الملائكة ب (الملكوت)، وعالم المجردات ب (الجبروت).
وإنما كانت نبوته من الرحمة، لأن موسى، عليه السلام، كان خشنا في الخلق، صلبا في الدين، ولم يكن فصيحا في النطق. فطلب من الله أخاه هارون، ليكون معه في الدعوة، فيعينه بالأخلاق الحسنة، فينجبر موسى بخلقه و فصاحته ويرغب الناس في طاعته، كما قال: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزرى وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا). فكان وجود هارون معه في الدعوة رحمة من الله وإجابة لدعوته.
(فإنه أكبر من موسى سنا وكان موسى أكبر منه نبوة. ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى: (يا بن أم). فناداه بأمه لا بأبيه، إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم.) أي، حكم التعطف والشفقة.
(ولو لا تلك الرحمة) الذاتية في الأم (ما صبرت على مباشرة التربية. ثم، قال: (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ولا تشمت بي الأعداء). فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة. وسبب ذلك) أي، الغضب والأخذ باللحية (عدم التثبت في النظر في ما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه. فلو نظر فيها نظر تثبت، لوجد فيها الهدى والرحمة.) كما قال تعالى: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون (2)).
(ف (الهدى) بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما هو هارون برئ منه.
والرحمة بأخيه.) أي، (الهدى) المذكور. وهو المكتوب فيها كيفية ما وقع من عمل العجل وإضلال السامري لهم وبراءة هارون منه. و (الرحمة) المذكورة هي الرحمة على أخيه. فيكون الخبر محذوفا لوجود القرينة.