شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٠٠
(فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل، كما سلط موسى، عليه السلام، عليه حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة. وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك، فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية.) أي، عدم تأثير هارون في منعهم عن عبادة العجل وعدم تسلطه عليهم، كما تسلط موسى عليهم، كان حكمة من الله ظاهرة في الوجود الكوني، ليكون معبودا في صور الأكوان كلها. وإن كانت هذه الصور ذاهبة فانية، كان ذهابها وفناؤها إنما هو بعد التلبس بالألوهية عند عابدها.
(ولهذا) أي، ولأجل أنه أراد أن يعبد في كل صورة. (ما بقى نوع من الأنواع إلا وعبد: إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير. فلا بد من ذلك لمن عقل.) أما العبادة بالإلهية، فكعبادة الأصنام وغير ذلك من الشمس والقمر والكواكب والعجل.
وأما العبادة بالتسخير، فكما يعبدون الأموال وأصحاب الجاه والمناصب.
وإنما قال: (فلا بد من ذلك لمن عقل) لأن التسخير والتسخر واقع بين جميع مراتب الوجود، ولا يقع الارتباط بين الموجودات إلا بهما، بل بين الخلق والحق أيضا بهما، إذ لا بد من الافتقار، وهو يعطى التسخير والتسخر لمن يعلم الحقائق.
(وما عبد شئ من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك تسمى الحق) أي، سمى الحق نفسه (لنا ب‍ (رفيع الدرجات)، ولم يقل: رفيع الدرجة. فكثر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة، أعطت كل درجة مجلي إلهيا عبد فيها. وأعظم مجلي عبد فيه و أعلاه (الهوى). كما قال: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) فهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شئ إلا به) أي، بالهوى. (و لا يعبد هو إلا بذاته.) أي، الحق في مرتبة ألوهيته لا يعبد إلا بذاته، فإنه معبود بالذات لكل ما سواه. وأما في مراتب الصور الكونية، فليس معبود إلا بواسطة سلطان الهوى على العابد ومحبته في قلب العابد له. فإن جميعها ممكن ليس لأحد منها الوجوب الذاتي المستعبد لغيره بذاته.
(وفيه أقول:
(١١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1095 1096 1097 1098 1099 1100 1101 1102 1103 1104 1105 ... » »»