(فكان) عطف على قوله (لوجد). أي، لوجد فيها الهدى والرحمة، فكان موسى (لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه) أي، على نظر قومه. (مع كبره، و أنه أسن منه، فكان ذلك من هارون شفقة على موسى، لأن نبوة هارون من رحمة الله، فلا يصدر منه إلا مثل هذا. ثم، قال هارون لموسى: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل). فتجعلني سببا في تفريقهم، فإن عبادة العجل فرقت بينهم، فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك، فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه. فكان موسى أعلم بالأمر من هارون، لأنه علم ما عبده أصحاب العجل.) أي، علم موسى ما الذي عبده أصحاب العجل في الحقيقة. (لعلمه بأن الله قضى ألا يعبد إلا إياه.) كما قال: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه). (وما حكم الله بشئ إلا وقع. فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه) أي، كان عتب موسى أخاه هارون لأجل إنكاره عبادة العجل، (3) وعدم اتساع قلبه لذلك (فإن العارف من يرى الحق في كل شئ بل يراه عين كل شئ. فكان موسى يربي هارون تربية علم.) واعلم، أن هذا الكلام وإن كان حقا من حيث الولاية والباطن، لكن لا يصح من حيث النبوة والظاهر. فإن النبي يجب عليه إنكار العبادة لأرباب الجزئية، كما يجب عليه إرشاد الأمة إلى الحق المطلق، لذلك أنكر جميع الأنبياء عبادة الأصنام وإن كانت مظاهر للهوية الإلهية. فإنكار هارون عبادة العجل من حيث كونه نبيا حق، إلا أن تكون محمولا على أن موسى، عليه السلام، علم بالكشف أنه ذهل عن شهود الحق الظاهر في صورة العجل، فأراد أن ينبهه على ذلك. وهو عين التربية والإرشاد منه. وإنكاره، عليه السلام، على السامري وعجله على بصيرة. فإن إنكار الأنبياء والأولياء لعبادة الأصنام التي هي المظاهر ليس كإنكار المحجوبين، فإنهم يرون الحق مع كل شئ، بخلاف غيرهم، بل ذلك لتخليصهم عن التقيد بصورة خاصة ومجلى معين، إذ فيه إنكار
(١٠٩٦)