شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٦٢
في الأزل. و (المؤثر فيه) هو أعيان العالم، لأنها محل ولايات الأسماء ومظهرها.
وإنما جعل انقسام الأمر إليهما روح هذه الحكمة، لأن بين العلة والمعلول لا بد من مناسبة رابطة بينهما، وتلك المناسبة هي المؤانسة الثابتة بين الحق والعالم.
(فإذا ورد) الوارد الإلهي (فألحق كل شئ بأصله الذي يناسبه.) أي، إن كان الوارد عن الحضرة الإلهية، كالوجود والعلم والقدرة وأمثال ذلك من الكمالات الإلهية، فألحق إليها. وإن كان عن حضرة أعيان العالم، كالفقر والاحتياج والإمكان وغير ذلك من النقائص الكونية، فأسند إلى العالم.
(فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل) وأصل كل شئ هو الكلى الذي يناسبه جزئية المتفرع عليه، (14) لذلك قال: (كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد.) إذ النوافل من العبد هي الكمالات التي ظهر بها العبد و أقامها، فلا جرم استلزمت المحبة الإلهية التي هي أيضا كمال وسبب لحصول

(14) - واعلم أنه قد ذهب أرباب المعرفة أن الجزئي تابع للكلي. لأن المراد من (الكلى) باصطلاح هذه الطائفة هو (العين الثابت) لكل شئ التي يعبر عنها بحقيقة الممكنات في علم الله، أي، العلم التفصيلي في الواحدية و (القدر الأول). والاسم المناسب لكل عين يتجلى فيه، ويظهر ظل كل عين في الخارج، لا أصله، كما أن الأسماء من جهة معقوليتها لا يظهر في الخارج أصلا، وما في الخارج ظل كل اسم. وأما (الجزئي) في اصطلاح أرباب الحكمة متبوع و (الكلى) تابع، لأنه ينتزع من الجزئيات. وأما الصور القدرية، أو الأعيان الثابتة، باعتبار تحققها في مرتبة علمه التفصيلي بالأشياء مطلقة بإطلاق الأسماء الإلهية. قال صدر أئمة الحكمة الإيمانية في الأسفار، وغيرها: إن الكلية والجزئية ترجعان إلى نحوين من الوجود. لأن المهية لا كلية ولا جزئية. فالماهية إذا تحققت بالوجود السعي الإحاطي تكون كلية، وفي تحققها بالوجود المادي المحدود في عالم الزمان والمكان جزئية.
بعبارة أخرى، ملاك إدراك الكليات إنما يكون باتصال النفس بالعقل الفعال، أو غيره من العقول، أو اتصالها بعالم الأعيان القدرية في الواحدية، لأن للقدر مراتب: أعلاها (القدر الأول)، وأدناها (القدر العيني) في عالم المثال، أو مرتبة أنزل منه وهو عالم المادة.
فافهم فهم عقل. (ج)
(١٠٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1057 1058 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 1066 1067 ... » »»