كل شئ وجودا وحكما، وأن وجود الغضب من رحمة الله بالغضب، فسبقت رحمته غضبه، أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب إليه.) اعلم، أن الحق سبحانه رحم الأعيان الطالبة للوجود وأحكامها ولوازمها، فأوجدها في العين، كما أوجدها أولا في العلم، فالرحمة سابقة على كل شئ ومحيطة بكل شئ، كما قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شئ). وقوله: (وجودا وحكما) أي من جهة الوجود والاستعداد والقابلية له التي هي في حكم الوجود، فإن الوجود عين الرحمة الشاملة على جميع الموجودات، أعراضا كانت أو جواهرا. وكذلك القابلية محيطة وشاملة عليها. ومن جملة الأعيان عين الغضب وما يترتب عليه من الآلام والأسقام والبلايا والمحن، وأمثالها مما لا يلائم الطباع، فوسعت الرحمة لها كما وسعت لغيرها، فوجود الغضب من رحمة الله على عين الغضب، فسبقت نسبة الرحمة إليه، تعالى نسبة الغضب إليه، وذلك لأن الرحمة ذاتية للحق تعالى، وعين الغضب ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق والرحمة التامة، فيسمى شقاوة وشرا. وإليه أشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الخير كله بيديك والشر ليس إليك). ومن أمعن النظر في لوازم الغضب من الأمراض والآلام والفقر والجهل والموت وغير ذلك، يجد كلها أمورا عدمية. فالرحمة ذاتية للوجود الحق، والغضب عارضية ناش من أسباب عدمية.
(ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله، لذلك عمت رحمته كل عين.) (يطلبه) يجوز أن يكون ب (الياء) المنقوطة من تحت، وب (التاء) المنقوطة من فوق. وقد مر في فصل الأعيان: أن لله تعالى أسماء ذاتية مسماة ب (مفاتيح الغيب) التي لا يعلمها إلا هو. وهي بذواتها تطلب من الله ظهور أنفسها في العلم، ثم في العين. والأعيان الثابتة عبارة عن صور تلك الأسماء وتعيناتها، وليست الأسماء إلا وجودات خاصة، فكل عين مستندة إلى وجود معين، وهو الاسم الخاص الإلهي. فإذا علمت هذا، يجوز أن يكون فاعل (يطلب) ضميرا عائدا إلى (الوجود)، وضمير المفعول عائدا إلى (كل عين) أو إلى (عين). ذكره باعتبار اللفظ، أو الشئ. ومعناه: لما كان لكل عين مستند، وهو وجود خاص و