في الجملة، للكسب مدخل في الإنباء العام. ومعنى (الكسب) تعلق إرادة الممكن بفعل ما دون غيره، فيوجده الاقتدار الإلهي عند هذا التعلق، فسمى ذلك (كسبا). هذا كلام الشيخ (رض)، ذكره في الجلد الأول من فتوحاته في المسائل.
(فقال: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) يعنى لإبراهيم الخليل، عليه السلام، و قال في أيوب، عليه السلام: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم). وقال في حق موسى، عليه السلام: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) إلى مثل ذلك. فالذي تولاهم أولا، هو الذي تولاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرها.) أي، الذي تولاهم أولا وأوجدهم من غير عمل سابق وكسب، وجعلهم أنبياء مرسلين وتمم عليهم نعمة، تولاهم آخرا بحفظ تلك النعم عليهم وإيصالهم إلى كمالاتهم المقدرة لهم. أو تولاهم أولا حال إفاضة أعيانهم الثابتة بحيث كانت مستعدة لهذه النعم و قابلة طالبة لها، تولاهم آخرا بإيجادهم على مقتضى تلك الأعيان. وإنما قال: (في عموم أحوالهم أو أكثرها) لئلا يلزم وجوب كونهم في جميع الأحوال كذلك.
(وليس) ذلك المتولي. (إلا اسمه (الوهاب). وقال في حق داود، عليه السلام: (ولقد آتينا داود منا فضلا). فلم يقرن به جزاء منه يطلبه منه) أي، فلم يقرن الحق ما أعطاه لداود جزاء، أي عملا، يطلب الحق إياه من داود، عليه السلام. (ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء. ولما طلب الشكر على ذلك بالعمل، طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود، ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.) لأن الإنعام على نبي أمة في الحقيقة أيضا إنعام على تلك الأمة، فأوجب الشكر عليهم.
(فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة. فقال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور). وإن كانت الأنبياء، عليهم السلام، قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك عن طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى تورمت قدماه، شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما