شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٠٢
تحكمت في العجين، فصيرته مثلها.) أي، ذكرهم الله بقوله: (وإن تغفر لهم). و بالضمير الذي في (لهم) على أنهم في ستر من أستار الله في هذه الحياة الدنيا قبل حضورهم بين يدي الحق يوم القيامة الكبرى وانبعاث الخلائق من القبور التي ستروا بها وفيها، وهي الأبدان والجثث التي هي القبور المعنوية، وهذه القبور الصورية صورتها، (69)، حتى إذا حضروا الحق وفنوا فيه وقامت قيامتهم و شاهدوا بعين الحق ما كانوا عليه قبل ذلك تكون الخميرة، أي، خميرة ما جعل في طينة أعيانهم من استعداد الكمال والقابلية للوصول إلى الفناء في حضرة ذي الجلال، قد تحكمت في عجين أعيانهم وطينة استعداداتهم، فصيرته مثل نفسها. أي، أوصلتهم إلى الكمال المراد منهم. وهو مقام الفناء المذكور والستر المطلوب المنبه عليه بقوله: ((وإن تغفر لهم فإنهم عبادك). فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد) أعاد قوله: (فإنهم عبادك) ليذكر ما فيه من الأسرار. ومن جملتها الإفراد ب‍ (الكاف)، فإنه يدل على التوحيد الذي كانوا عليه، وإن لم يكن لهم شعور به. فإن العابد لكل معبود - كان ما كان - لا يعبد إلا لكونه إلها أو شفيعا عند الله، كما قال: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). وفي الحقيقة لا يعبد إلا الحق الذي يظهر بتلك الصور. كما قال: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه). وإطلاق (العباد) يدل على ذلة من يعبد، ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد.
(لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم، فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم، ولا شريك له فيهم، فإنه قال: (عبادك) فأفرد. والمراد بالعذاب إذ لا لهم. ولا أذل منهم، لكونهم عبادا، فذواتهم يقتضى أنهم أذلاء. فلا تذلهم، فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا. (وإن تغفر لهم) أي، تسترهم عن إيقاع العقاب الذي يستحقونه

(69) - في م ل، النسخة أظن أنها كتبت من نسخة الأصل: (والجثث التي هذه القبور الصورية صورتها). أي، تكون الجثث التي هذه في القبور صورتها القبور المعنوية، لأن القبور بعضها فرشية وبعضها عرشية، ولكل منهما مراتب. (ج)
(٩٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 897 898 899 900 901 902 903 904 905 906 907 ... » »»