شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩١٦
للعبد، وبكونه لم يكن، ثم كان) هذا تعليل قوله: (الهوية مندرجة في العبد) أي، في اسمه لا غير. وذلك لأنه تعالى عين ما ظهر، وسمى بالاسم الخلقي، كما مر أن صور الموجودات كلها طارية على النفس الرحماني، وهو الوجود، والوجود هو الحق، فالحق هو الظاهر بهذه الصور، وهو المسمى بالخلق. وبما ظهر في صور الموجودات، حصل الاسم (الظاهر)، ويكون العبد، أي الخلق، لم يكن ثم كان، حصل الاسم (الآخر) للحق الظاهر في صورة العبد، فإنه اسمه (الآخر)، لأنه آخر الموجودات التي هي الأسماء ظهورا في العين الحسية، وإن كان أول الأسماء حقيقة في العلم والمرتبة الروحية. فالإسم (الآخر) بعينه هو الاسم (الأول)، وكذلك (الظاهر) بعينه هو (الباطن).
(وبتوقف ظهوره عليه وصدور العمل منه، كان الاسم (الباطن) و (الأول)) أي، بسبب توقف وجود العبد وظهوره على الله وبسبب صدور العمل من الله حقيقة من باطن العبد، وإن كان من العبد ظاهرا، حصل الاسم (الباطن) و (الأول). أو بتوقف ظهور الحق على العبد وبتوقف صدور العمل من الحق عليه، حصل بالعبد الاسم (الباطن) و (الأول). وهذا أنسب من الأول. لأنه قال: (و به) أي بما ظهر. (وسمى خلقا) حصل الاسم (الظاهر) و (الآخر)، فكذلك هنا بالعبد يحصل (الباطن) و (الأول). لذلك قال: (فإذا رأيت الخلق رأيت (الأول)) أي، رأيت الهوية الموصوفة بالأولية. (و (الآخر) و (الظاهر)) لأن الخلق المرئي آخر مراتب الوجود، فهو (الآخر) و (الظاهر). (والباطن) أي، ورأيت (الباطن) من حيث روحه وجميع ما في عينه.
(وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان، عليه السلام، بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، يعنى، الظهور به في عالم الشهادة.) أي، لا تفوت مثل هذه المعرفة عن سليمان، لأنه من المرسلين لكافة الخلائق جنا وإنسا، و من الخلفاء المتصرفين في الرعية. وقد علمت أن الخليفة لا بد وأن يكون متحققا بالأسماء الإلهية ومعرفتها، ليمكن له التصرف بها في العالم. وإنما جعل المعرفة من الملك، لأن الملك دولة الظاهر وسلطنته، وهي لا تحصل إلا بروحها التي
(٩١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 911 912 913 914 915 916 917 918 919 920 921 ... » »»