منه) لقلنا إنه لما هم بأخذه، ذكره الله دعوة سليمان، ليعلم رسول الله أنه لا يقدره الله) بسكون القاف من (الإقدار). (على أخذه، فرده الله خاسئا. فلما قال: (فأمكنني الله منه) علمنا أن الله تعالى قد وهبه التصرف فيه. ثم إن الله ذكره، فتذكر دعوة سليمان، فتأدب معه، فعلمنا من هذا أن الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم. وليس غرضنا من هذه المسألة إلا الكلام والتنبيه على (الرحمتين) اللتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب:
(الرحمن الرحيم).) نبه بهذا الكلام على أن الأسماء اللفظية أسماء الأسماء الإلهية.
وهي عبارة عن الحقائق الإلهية وأعيانها التي هي مظاهرها. كما مر بيانه في المقدمات.
(فقيد رحمة الوجوب.) كما قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم). وقال:
(سأكتبها للذين يتقون). (وأطلق رحمة الامتنان في قوله: (ورحمتي وسعت كل شئ). حتى الأسماء الإلهية، أعني، حقائق النسب.) وإنما فسره بقوله: (أعني حقائق النسب) لأن الأسماء تدل على الذات الإلهية مع خصوصيات تتبعها، وبها تصير الأسماء متكثرة، فإن الذات الواحدة لا تكثر فيها، والذات لا تدخل في حكم الرحمة، لتكون مرحومة، فتعينت الخصوصيات وهي النسب.
(فامتن عليها بنا، فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية.) أي، فامتن على الأسماء بوجودنا، فإنها مظاهر أحكامها ومجاري أقدارها ومرائي أنوارها، فنحن نتيجة تلك الرحمة الامتنانية، فلزم وجودنا منها أولا في العلم، وثانيا في العين. كما مر تحقيقه في المقدمات.
ولا ينبغي أن يتوهم أن قوله (بنا) و (نحن) مخصوص بالكمل، كما ذهب إليه بعض العارفين، فإن الكمل منا مظاهر كليات الأسماء، وغير الكمل مظاهر جزئياتها التالية لها. بل قوله: (بنا) إنما هو من لسان العالم كله، شريفا كان أو حقيرا، فإن لكل منها ربا يربه، وهو الاسم الحاكم عليه. والحق رحم جميع الأسماء لا بعضها دون البعض.
(ثم، أوجبها على نفسه بظهورنا لنا) أي، أوجب الرحمة على نفسه، ليرحمنا