شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٦٩
بعضهم. ولو كان اندراج الأجزاء المثالية الروحانية في الأجزاء الجسمانية موجبا لصيرورة البدن بدنا مثاليا، لكانت أبداننا أيضا أبدانا مثالية، إذ لا يمكن أن يوجد منها جزء مجرد عن الأجزاء الروحانية التي هي من جنس الجوهر المثالي، و هي الروح الساري في أجزاء البدن.
(فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن (كن)، و (كن) كلمة الله.) لما كان كلامه في عيسى وأنه كلمة من كلماته تعالى الصادرة بقول (كن)، أعقب بأن الموجودات كلها كلمات الله التي لا نهاية لها، فإنها كلها صادرة عن قول (كن)، كما قال: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (26) و (كن) أيضا كلمته، إلا أنه أصل لتكوين غيرها من الكلمات. والفرق بينه وبين غيره من الكلمات، أنه كلمة قولية صادرة من الاسم (المتكلم)، وغيره كلمة وجودية. وإطلاق الكلمات عليها مجاز، من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب بهذا الاعتبار. وإن كان باعتبار آخر على الحقيقة، وهو: أن كلا من الكلمات القولية والوجودية عبارة عن تعينات واقعة على النفس، إذا القولية واقعة على النفس الإنسانية، والوجودية على النفس الرحماني. كما مر في صدر الكتاب وسيأتي في هذا الفص.
(فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه، فلا تعلم نفس ماهيتها؟ أو تنزل هو تعالى إلى صورة من يقول (كن) فيكون. قول (كن) حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها.) (اللام) في (الكلمة) للعهد، والمعهود كلمة (كن)، وضمير (إليه) عائد إلى الحق. وقوله: (فلا تعلم) وقوله (فيكون) جواب للشرط المقدر. معناه: هل تنسب كلمة (كن) إلى الله تعالى بحسب ما هو عليه في مرتبة إلهيته؟ أو تنسب إليه بحسب تنزله تعالى إلى مرتبة الأكوان. فإن كان بحسب ما

(26) - ولا يخفى أن الآية الكريمة لا تدل على أن الكلمات صادرة عن قول (كن)، بل بالصراحة تدل على أنها صادرة عن (إرادة) قول (كن). فلا تغفل أيها المستر شد. (ج)
(٨٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 864 865 866 867 868 869 870 871 872 873 874 ... » »»