شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٣٧
(فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع، فمن حيث هو ولى و عارف) وذلك كقوله، صلى الله عليه وسلم: (لو دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم على الله). وكنقل الحديث القدسي: (لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل...) - إلى آخره، والأحاديث المبينة للمقامات والمظهرة لأحوال الآخرة والدرجات، وغير ذلك مما يتعلق بكشف الحقائق والأسرار الإلهية، فهو من مقام عرفانه وولايته، لا من مقام نبوته ورسالته.
(ولهذا مقامه من حيث هو عالم وولى أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع.) أي، ولأجل أن الولاية غير منقطعة والنبوة منقطعة، صار مقام النبي، من حديث إنه عالم بالله وأسمائه وصفاته، وولى فان عبوديته في ربوبيته، أتم وأكمل من مقام نبوته ورسالته، لأن الولاية جهة حقانية، فهي أبدية، والنبوة جهة خلقية، فهي منقطعة غير أبدية.
(فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول، أو ينقل إليك عنه أنه قال: الولاية أعلى من النبوة. فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه.) من أن ولايته أعلى من نبوته، لا أن ولاية الولي أعلى من نبوة النبي. وذلك كما يقول فيمن يكون عالما تاجرا خياطا: هو من حيث إنه عالم أعلى مرتبة من حيث إنه تاجر أو خياط. أو من حيث إنه تاجر أعلى من حيث إنه خياط.
(أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعنى بذلك في شخص واحد. و هو أن الرسول من حيث إنه ولى أتم منه من حيث هو نبي ورسول. لا أن الولي التابع له) أي، للرسول. (أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه، إذ لو أدركه، لم يكن تابعا، فافهم.) ظاهر مما مر. قوله: (إذ لو أدركه) أي، بالذوق والوجدان، كما يدرك المتبوع ذلك. (لم يكن تابعا) لأنه مثله وفي مرتبته حينئذ.
(فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم.) أي، إذا علمت أن الرسول والنبي لا يشرع لأمته الأحكام ولا ينبئ عن الحقائق إلا من حيث إنه ولى وعالم بالله، فمرجعهما إلى الولاية والعلم بالله. فليس المراد بالعلم العلم الكسبي بل اليقيني الذي هو من الشهود الذاتي وما ينتجه.
(٨٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 832 833 834 835 836 837 838 839 840 841 842 ... » »»