قبلهم، وكالأطفال الذين توفوا قبل البلوغ الذي هو أوان التكليف وشرطه، و كالمجانين لعروض مزاج ينافي وجود التكليف معه في الدنيا. وإنما كلفوا لاقتضاء حكم العدل ذلك، فإن الثواب أو العقاب يترتب كل منهما على أسباب توصل إليه. والنار التي يأتي نبيهم بها، هو النور الإلهي الذي تناسبه النفوس النورانية أزلا، فكانت نوريتهم مختفية فيهم لعوارض النشأة الدنيوية، فإذا زالت، ظهرت النورية، فمالت إلى جنسها، فدخلوا فيها فنجوا. والنفوس التي كانت ظلمانية، تنفروا منها، فعصوا أمر نبيهم، فحق عليهم القول.
وقوله: (فاقتحموا هذه النار بأنفسكم). أي، أدخلوا أنفسكم في هذه النار. ف (الباء) للتعدية.
(وكذلك قوله: (يوم يكشف عن ساق). أي، عن أمر عظيم من أمور الآخرة. (ويدعون إلى السجود). فهذا تكليف وتشريع فيهم. فمنهم من يستطيع، ومنهم من لا يستطيع. وهم الذين قال الله تعالى فيهم: (ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) كما لا يستطيع في الدنيا امتثال أمر الله بعض العباد، كأبي جهل وغيره. فهذا قدر ما يبقى من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول النار والجنة، فلهذا قيدناه. والحمد لله رب العالمين.) وإنما يدعون إلى السجود يوم يكشف عن ساق بالأمر الإلهي، وإلى الانقياد لله مع عدم إمكان صدوره ممن لم يسجده في الدنيا، ولم ينقد لأمر رب السماوات العلى، إلزاما لهم وحجة عليهم و تذكرا لهم أنهم ما قدروا أن يسجدوا في الدنيا، كما لم يستطيعوا أن يسجدوا في العقبى، فلا يستحقون الجنة. ومن يسجد في الدنيا وانقاد، يسجد في الآخرة و أجاد، فاستحق الجنة وأخلص من النار نجى من عذاب (المنتقم) و (القهار).
اللهم اجعلنا من الفائزين بجنتك والناجين من عذابك. والحمد لله وحده، والصلاة على خير خلقه بعده *