المعنى، تسرت (الهوية) في صور الموجودات، فأظهرها. وفي القيامة الكبرى يجعل تلك الصورة مستورة، ويظهر الحق بذاته ويقول: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). ثم يتجلى بالكثرة المشهودة في الدار الآخرة أيضا، جلت قدرته.
(كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة. وهي، مع كثرة الصور واختلافها، ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد، وهو هيولاها.) المراد ب (الهيولى) هنا هو الهيولى الكلية التي تقبل صور جميع الموجودات الروحانية والجسمانية. وهو الجوهر كما بينه في كتابه المسمى بإنشاء الدوائر.
ومعناه: أن الكثرة مشهودة في عين واحدة، وتلك العين الواحدة معقولة فيها، كما أن صور الموجودات كلها مشهودة في عين الهيولى، والهيولي معقولة فيها، لذلك تؤخذ في تعريف كل من الموجودات. كما أنك تقول العقل هو جوهر مجرد مدرك للكليات غير متعلق بجسم، والنفس الناطقة جوهر مجرد مدرك للكليات والجزئيات، وله تعلق التدبير والتصرف بالجسم، والجسم جوهر قابل للأبعاد الثلاثة، فيؤخذ (الجوهر) في تعريفاتها. وهو في الحقيقة واحد والصور كثيرة مختلفة. والغرض التنبيه لأرباب النظر، لئلا تشمئز عقولهم عما يقوله أهل الله في التوحيد.
(فمن عرف نفسه بهذه المعرفة، فقد عرف ربه.) أي، فمن عرف أن حقيقته هي حقيقة الحق، وهي التي تفصلت وظهرت بصور الموجودات بحسب مراتبها وظهوراتها - كما بينا في المقدمات -، هو الذي عرف ربه.
(فإنه على صورته خلقه، بل هو عين حقيقته وهويته.) أي، فإن الإنسان مخلوق على صورة ربه، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله خلق آدم على صورته). وفي رواية: (على صورة الرحمان). والمراد ب (الصورة) الأسماء والصفات الإلهية. أي، خلقه موصوفا بجميع تلك الأسماء والصفات، بل هويته التي اختفت وحقيقته التي تسترت في الحقيقة الإنسانية، فأظهرت الإنسان، فهويته عين هوية الحق، وحقيقته عين الحقيقة الإلهية. وهو اسمه الأعظم الجامع لحقائق الأسماء كلها.