شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٨٧
لنا، عند ذكرنا بعض من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف. وما أفدنا هم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم.) ولما كان ظهور الحق في صور ما كان يعتقد أن الحق يتجلى بها ترقيا حصل للعبيد بعد انتقالهم إلى دار الآخرة، أكد بما وقع له في بعض مكاشفاته من أنه أفاد أكابر الأولياء، كالجنيد والشبلي وأبى يزيد وغيرهم قدس الله أسرارهم، وحصل لهم الترقي بعد الموت.
وهذا (الترقي) ليس مخصوصا بطائفة دون طائفة، لأن العارفين ببعض التجليات يحصل لهم البعض الآخر، فيحصل لهم الترقي. وكذلك المحجوبون من المؤمنين والمشركين والكافرين: فإن انكشاف الغطاء عنهم ترق، وظهور أحكام أعمالهم ترق، وشهود أنواع التجليات، وإن لم يعرفوا حقيقتها، ترق، و حصولهم في البرازخ الجهمية والجنانية أيضا ترق، لوصولهم فيها إلى كمالهم الذاتي، وارتفاع العذاب عنهم بعد انتقام (المنتقم) منهم ترق، وشفاعة الشافعين لهم ترق. ولو لا مخافة التطويل، لأوردت مراتب الترقيات في الآخرة مفصلا، وللعارف غنية فيما أشرت إليه.
فقوله: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا). إنما هو العمى عن معرفة الحق لا غير، لأن الحق متجل دائما أبدا، وهو أعمى عنه.
فإذا انكشف الغطاء، ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها، لكن لا يرتفع العمى بالنسبة إلى معرفة الحق. وقوله، صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم، انقطع عنه عمله إلا عن ثلاث) لا يدل على عدم الترقي، لأنه ليس بالعمل، بل بفضل الله ورحمته، والعمل أيضا مستند إليه. ولئن سلم ذلك، فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها بالأعمال لا تحصل له إلا بالعمل، لا مالا يتوقف عليها مما سبقت له العناية الأزلية على حصوله بلا عمل. والاطلاع بأحوال غيره من السعداء والأشقياء أيضا من مراتب الترقي. والله أعلم بالحقائق (17)

(17) - واعلم، أن الملاك في عدم جواز الترقي ومحاليته عدم وجود المادة والقوة في البرزخ والآخرة، سواء كان من جهة العمل - لأن العمل يستعد النفوس للترقي - أو من جهة عناية الله. لأن الترقي والتكامل عبارة عن خروج الشئ من القوة إلى الفعل، والقوة القابلة في الآخرة غير موجودة. وأما ترقى الأصفياء من نواحي ملاقاتهم مع الشيخ الماتن في الآخرة واستمدادهم من الشيخ لرفع الجهل منهم، له محامل. ومنها، ظهور سلطان الوهم واستيلائه على الشيخ الماتن في النوم، لأن الشيخ ليس بمعصوم. وأما خروج أهل العذاب من النار، أو رفع العذاب عنهم، من جهة تحمل الآلام الواردة عليهم و تصفية نفوسهم عن العوارض الغريبة وغلبة اسم (الرحمان) على اسم (المنتقم)، أو شفاعة (الرحمن) عند اسم الله (المنتقم)، إنما يكون من باب آخر، لا من باب خروج الشئ عن القوة إلى الفعلية. و (الكي) دواء لبعض الأمراض قد وظهور ما كمن في النفوس بعد إزالة موانع الظهور، أعم من الحصول التدريجي والدفعي، و جواز التكامل والترقي من مرتبة إلى مرتبة أكمل في الملكوت، مساوق لجواز الاستحالة والكون والفساد. (ج)
(٧٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 782 783 784 785 786 787 788 789 790 791 792 ... » »»