لنا، عند ذكرنا بعض من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف. وما أفدنا هم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم.) ولما كان ظهور الحق في صور ما كان يعتقد أن الحق يتجلى بها ترقيا حصل للعبيد بعد انتقالهم إلى دار الآخرة، أكد بما وقع له في بعض مكاشفاته من أنه أفاد أكابر الأولياء، كالجنيد والشبلي وأبى يزيد وغيرهم قدس الله أسرارهم، وحصل لهم الترقي بعد الموت.
وهذا (الترقي) ليس مخصوصا بطائفة دون طائفة، لأن العارفين ببعض التجليات يحصل لهم البعض الآخر، فيحصل لهم الترقي. وكذلك المحجوبون من المؤمنين والمشركين والكافرين: فإن انكشاف الغطاء عنهم ترق، وظهور أحكام أعمالهم ترق، وشهود أنواع التجليات، وإن لم يعرفوا حقيقتها، ترق، و حصولهم في البرازخ الجهمية والجنانية أيضا ترق، لوصولهم فيها إلى كمالهم الذاتي، وارتفاع العذاب عنهم بعد انتقام (المنتقم) منهم ترق، وشفاعة الشافعين لهم ترق. ولو لا مخافة التطويل، لأوردت مراتب الترقيات في الآخرة مفصلا، وللعارف غنية فيما أشرت إليه.
فقوله: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا). إنما هو العمى عن معرفة الحق لا غير، لأن الحق متجل دائما أبدا، وهو أعمى عنه.
فإذا انكشف الغطاء، ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها، لكن لا يرتفع العمى بالنسبة إلى معرفة الحق. وقوله، صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم، انقطع عنه عمله إلا عن ثلاث) لا يدل على عدم الترقي، لأنه ليس بالعمل، بل بفضل الله ورحمته، والعمل أيضا مستند إليه. ولئن سلم ذلك، فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها بالأعمال لا تحصل له إلا بالعمل، لا مالا يتوقف عليها مما سبقت له العناية الأزلية على حصوله بلا عمل. والاطلاع بأحوال غيره من السعداء والأشقياء أيضا من مراتب الترقي. والله أعلم بالحقائق (17)