شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٧٩
من ذلك. (فما هو ذكرى لمن كان له عقل.) الضمير عائد إلى المشار إليه بذلك، و هو القرآن، أي، القرآن ليس ذكرى لمن يريد أن يدرك الأشياء بالعقل. (وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، وما لهم من ناصرين.) أي، أصحاب الاعتقادات الجزئية. وإنما نسبهم إلى العقل، لكون عقولهم أعطت لهم التقيد بتلك الاعتقادات بحسب إدراكاتهم. ولو كان مبدأ اعتقاداتهم قلوبهم، لما كانوا مقيدين بها، كما لم يتقيد القلب، فكانوا من العابدين للحق في صور شؤونه كلها. ولما تقيد كل منهم باعتقاد خاص، ظن أن الحق هو الذي اعتقده فقط، وغيره باطل، فكفر بعضهم بعضا، ولعن بعضهم بعضا، فما لهم من ناصرين.
(فإن إله المعتقد ماله حكم في إله المعتقد الآخر.) لما كان لكل من أرباب العقائد الخاصة ربا خاصا يربه في صورة معتقده، لا يمكن لكل من أربابها أن ينصر عبد رب آخر، إذ ليس له تلك الوجهة التي للآخر من الله، كما قال تعالى:
(ولكل وجهة هو موليها). لكن لكل أن ينصر عبده.
فليس المراد ب‍ (الإله) هنا، الرب الحاكم على المعتقد، بل المراد منه الإله المجعول الذي اتخذه المعتقد بتصوره وتعمله إلها. وهذا الإله لا يقدر أن ينصر معتقده، فكيف تقدر أن ينصر معتقدا آخر يضاده وينافيه قد والفرق بين الإله المجعول بحسب الاعتقاد، وبين الأصنام التي عبدت، أنها مجعولة في الخارج، و هو مجعول في الذهن. بل صاحب الاعتقاد ينصر إلهه ويدفع عنه، وهو عاجز عن نصرته ودفع المكاره عنه. وإليه أشار بقوله: (فصاحب الاعتقاد يذب عنه، أي، عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره. وذلك الذي في اعتقاده لا ينصره.) أي، صاحب الاعتقاد يدفع عن الإله الذي اعتقده ما ينافيه ويخالفه، وينصره، وذلك الإله لا ينصر صاحب الاعتقاد، لأنه مجعوله، والمجعول لا يمكن أن يكون أقوى من جاعله لينصره.
(فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له. وكذا المنازع ما له نصرة من إلهه
(٧٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 774 775 776 777 778 779 780 781 782 783 784 ... » »»