شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٨٤
(ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به، فليس هو الذي (ألقى السمع). فإن هذا الذي (ألقى السمع) لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه، ومن لم يكن شهيدا لما ذكرناه، فما هو المراد بهذه الآية. فهؤلاء هم الذين قال الله تعالى في حقهم: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا). والرسل لا يتبرؤون من اتباعهم الذين اتبعوهم.
فحقق يا ولى ما ذكرته لك في الحكمة القلبية.) إنما كان صاحب نظر فكري غير معتبر عند أهل الله، لأن المفكرة قوة جسمانية (14) يتصرف فيها الوهم تارة، والعقل أخرى، فهي محل ولايتها، والوهم ينازع العقل. والعقل لانغماس آلته في المادة الظلمانية، لا يقدر على إدراك الشئ إدراكا تاما، خصوصا مع وجود المنازع، ولا يسلم مدركاته عن الشبه النظرية، فيبقى صاحبه لا يزال شاكا أو ظانا فيما أدركه. بخلاف أرباب اليقين، فإنهم يشاهدون الأشياء بنور ربهم لا بتعلمهم وتفكرهم. والقوة الخيالية، وإن كانت جسمانية، لكنها بمنزلة البصر للقلب ومدركاته محسوسة، فيحصل بها اليقين. فمن قلد لمن لا يكون على يقين، فقد خاب وخسر، إذ ليس ممن (ألقى السمع)، ولم يحصل له الشهود، ويدخل فيمن قال الله تعالى في حقهم: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا). أي، المتبوعون من تابعيهم.
ولما كان هذا التنبيه أصلا عظيما لأرباب السلوك، وصى بتحقيقه، أي، بجعله حقا ثابتا، وإمعان النظر في حقيقته، لئلا يقلدوا أرباب النظر بترك الشرائع، فيقعون في الغواية، و (يحسبون أنهم يحسنون صنعا). كما في زماننا هذا.
(وأما اختصاصها بشعيب، لما فيها من (التشعب)، أي، شعبها لا تنحصر،

(14) - وأما القوة المفكرة فليست بجسمانية، وإن البراهين قائمة على تجرد جميع القوى الباطنية للنفس الإنسانية، والشيخ الأكبر أيضا قائل بتجرد الخيال. وأول من أقام البرهان التام على تجرد القوى الغيبية التي للنفوس، وأجاب عن الشكوك، هو صدر أعاظم الحكماء و أفاخم العرفاء، صاحب كتاب الأسفار، رضى الله عنه. (ج)
(٧٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 779 780 781 782 783 784 785 786 787 788 789 ... » »»