شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٧٣
يفضل عنها. وهذا القلب المتجلى له، لا يكون إلا للعارف الكامل، لأن قلبه مرآة الذات الإلهية وشؤونها جميعا، لخلوه عن الأحكام الجزئية المقيدة له. فينصبغ انصباغا تقتضيه الصورة المتجلية له، لأنها حاكمة عليه. وقلب غيره مرآة الذات من حيثية معينة وشأن مقيد، وليس فارغا من الأحكام الجزئية الأسمائية، فينصبغ التجلي بصبغه، ولا يبقى على طهارته الأصلية وإطلاقه.
وتلخيصه: أن للمرآة حكما في ظهور الصور بحسبها، وللصورة حكم في المرأة التي تظهر الصورة فيها. ولكل منهما أحكام بحسب الظاهر والباطن. ولما ذكر أن القلب لا تفضل عن الصورة المتجلية، شبه القلب بمحل الفص والصورة المتجلية بالفص. وهو إذا كان مستديرا، يجعل المحل مستديرا، وإذا كان مربعا أو مسدسا أو مثمنا، فمحله أيضا كذلك.
وإنما شبه المعقول المحض بالمحسوس الصرف، لأن كلا منهما نسخة من الآخر، إذ الظاهر صورة الباطن، والباطن معنى الظاهر. وفي التشبيه ب‍ (المستدير) و (المربع) و (المسدس) لطيفة أخرى. وهي أن المعنى المتجلي قد يكون معنى بسيطا، لا تعدد فيه ولا تكثر، فصورته أيضا يكون مستديرة. وقد يكون مركبا، وله جهات متعددة بحسب الظهور والخفاء والقرب والبعد، فصورته أيضا يكون مشتملة على جهات متعددة متفاوتة في القرب والبعد إلى المركز. فإن زوايا المربع والمسدس وأمثالهما أبعد من الوسط من غيرها من الأضلاع.
(وهذا عكس ما تشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد، و هذا ليس كذلك. فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق).
لما ذكر حكم الصورة في المرأة، ذكر عكسه، وهو حكم المرأة في الصورة. كما أشار إليه أهل الحق في كتبهم من أن الحق يتجلى على قلوب العباد بحسب استعداداتهم. وهذان الحكمان بعينهما حكم (الفيض الأقدس) و (الفيض المقدس): فإن (الفيض الأقدس) يعطى الاستعداد للعين، و (الفيض المقدس)
(٧٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 768 769 770 771 772 773 774 775 776 777 778 ... » »»