شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٨١
(فلهذا قال: (لمن كان له قلب) أي، لكون أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، قال: (لمن كان له قلب). ولم يقل: لمن كان له عقل. لأن صاحب القلب يتقلب في الصور بحسب العوالم الخمسة الكلية، ومن تقليبه فيها يعرف تقليب الحق في الصور، فيعبده فيها، ولا ينكره في صورة من الصور. و هذا معنى قوله: (فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال، فمن نفسه عرف نفسه.) أي، علم القلب تقليب الحق في الصور المتنوعة وتجلياته المختلفة بواسطة تقلباته الحق في صور العوالم الكلية والحضرات الأصلية. وإذا كان كذلك، فالقلب العارف من نفسه وذاته عرف نفس الحق وذاته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من عرف نفسه فقد عرف ربه). أو العارف من نفسه عرف نفسه، ليكون هو العارف والمعروف. والأول أنسب.
(وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شئ من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية. فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى.) (13) لما تكلم في مراتب الكثرة بلسانه، شرع يتكلم في الوحدة ومعناه أن نفس العارف ليست مغائرة لهوية الحق، فلا شئ من الموجودات أيضا مغائر لها، لأن الهوية الإلهية هي التي ظهرت في هذه الصور كلها، فهو العارف والعالم والمقر في صور أهل العلم والعرفان والإيمان، وهو الذي لا يعرف ولا يعلم وينكر في صور المحجوبين والجهلة والكفرة.
(هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع.) أي، هذا العلم الذي حصل للقلب من نفسه وعرف الحق وتقلباته في الصور من عين تقلباته في العوالم، حظ من شاهد مقام الجمع من التجلي الإلهي، وعرف الحق فيه، لا حظ لأهل العقل وأصحاب الفكر المحجوبين عنه وعن تجلياته وتقلباته

(13) - قوله: (بل هو عين الهوية). أي، أنه في نظر الوحدة هو العارف والعالم والمنكر، فإن العالم عارفه ومنكره صورة تجلياته تعالى، وهو الظاهر في كل شئ. (الامام الخميني مد ظله)
(٧٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 776 777 778 779 780 781 782 783 784 785 786 ... » »»