شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٦١
(فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعال:
(وجوه يومئذ مسفرة). من (السفور) وهو الظهور. كما كان (الاصفرار) في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح. ثم جاء في موازنه (الاحمرار) القائم بهم، قوله تعالى في السعداء: (ضاحكة)) أي، (وجوه يومئذ ضاحكة مستبشرة).
(فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه. فهي في السعداء إحمرار الوجنات. ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى: (مستبشرة) و هو ما أثره السرور في بشرتهم، كما أثر السواد في بشرة الأشقياء. ولهذا قال) أي، الحق. (في الفريقين بالبشرى، أي، يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم، فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة يتصف به قبل هذا، فقال في حق السعدا: (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم). وقال في حق الأشقياء: (فبشرهم بعذاب اليم). فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا الكلام، فما ظهر عليهم في ظواهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم). أي، من مفهوم (الكلام). (فما أثر فيهم سواهم، كما لم يكن (التكوين) إلا منهم (9) فلله الحجة البالغة). هذا (الكلام) رجوع إلى ما كان في تقريره أولا، أي، هم الذين يؤثرون في أنفسهم بحسب استعداداتهم وقبولهم لفيض الحق وأمره لا غيرهم، كما لم يكن (التكوين) إلا منهم. فلله الحجة البالغة على الناس في كونهم سعداء وأشقياء: (فما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). لأن الحق يعطى الوجود: فإن استحقوا خيرا، أعطاهم وجوده، وإن استحقوا شرا، أعطاهم وجود ذلك. (فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له، أراح نفسه من التعلق بغيره. و علم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا بشر إلا منه. وأعنى بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه، وأعنى بالشر مالا يوافق غرضه ولا يلائم طبعه ولا مزاجه. ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم وإن لم تعتذروا، ويعلم أنه منه) أي، من نفسه. (كان) أي، حصل. (كل ما هو فيه، كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع

(9) - (وگر شادى است ما را ور غم از ماست).
(٧٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 756 757 758 759 760 761 762 763 764 765 766 ... » »»