شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٤٠
والذين لا يعلمون؟)) أي، هذا الاتحاد والجعل إنما ينبغي أن يكون بناء على شهود الحق في كلتا الحضرتين - حضرة المحامد وحضرة المذام - حتى يتميز العالم العارف من الجاهل بالأمر على ما هو عليه. فإنه إذا لم يكن عن شهود الحق، يكون محجوبا بنفسه من ربه لرؤيته الأفعال من نفسه - حسنها وقبيحها - فيلحق بالمشركين.
ولما كان العلم الصحيح هو الذي يكون مركوزا في الباطن والعالم يتذكره بحسب التوجه إليه، أردفه بقوله: ((إنما يتذكر أولوا الألباب). وهم الناظرون في لب الشئ الذي هو المطلوب من الشئ). لأن علومهم وجدانيات - يظهر عليهم عند صفاء قلوبهم، فتحصل لهم التذكرة بما هو مركوز فيهم فائض عليهم من مقام التقديس - لا تعملي كسبي بالعقل المشوب بالوهم والفكر المخيل بالفهم.
(فما سبق مقصر مجدا). أي، فما رأينا سبق من أهل التقصير والنقصان، من اجتهد في تحصيل الكمال وعمل بما يرضى به الرحمان. قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
وفرق بين أهل الاجتهاد أيضا بقوله: (كذلك لا يماثل أجير عبدا). فإن الأجير لا يزال نظره إلى الأجرة، والعبد لا يعمل للأجرة، بل للعبودية. والأجير ينصرف عند وصول أجرته من باب المستأجر، والعبد ملازم لباب سيده. فالعالم بمقام عبوديته العامل بمقتضى أوامر سيده، ليس كالعامل الجاهل، فإنه يعمل للخلاص من النار وحصول الجنة.
(وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه) وهو كون الحق ظاهر العبد. (والعبد وقاية للحق بوجه). وهو كون العبد ظاهر الحق.
(فقل في الكون ما شئت. إن شئت قلت هو الخلق). كما يقول المحجوبون، باعتبار صفات النقص. (وإن شئت قلت هو الحق). كما يقول الموحدون، باعتبار صفات الكمال. (وإن شئت قلت هو الحق والخلق).، باعتبار الجمع بين الكمال والنقصان. (وإن شئت قلت لا حق من كل وجه، ولا خلق من كل وجه). كما يقول المحققون الجامعون بين المراتب الإلهية والعبودية. (وإن شئت
(٧٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 735 736 737 738 739 740 741 742 743 744 745 ... » »»