رأى المحجوبون المقيدون إلهتهم في الحقيقة إلا نفوسهم، وما جعلوا فيها من صور إلهتهم. والإله المجعول بالاعتقادات هو الذي يتخذه المحجوب بالتعمل والتصور إلها. ولا فرق بين الأصنام التي اتخذت إلها، وبينه.
وأما إذا تجلى الحق لأصحاب الاعتقادات في الدنيا والآخرة بحسب عقائدهم، فهو الحق، والمشاهد لتلك الصورة مشاهد للحق فيها. فإن الحق، من حيث هو هو، لا نسبة بينه وبين أحد من العالمين، فلا يمكن رؤيته لأحد من هذه الجهة. ومن حيث أسمائه يتجلى لكل واحد من حيث الاسم الذي هو ربه.
فلا يتجلى الحق لأصحاب الاعتقادات المقيدة، إلا بحسب الأسماء الحاكمة عليهم، واستعدادات أعيانهم. فشهودهم لصور اعتقاداتهم عند التجلي عين شهودهم لربهم. لا يمكن أن يحصل لهم غير ذلك، كما لا يمكن أن يشاهد العارفون أيضا حال التجلي الذاتي، إلا أعيانهم - كما مر في الفص الشيثي - وفي التجلي الأسمائي، إلا ما يعطيهم أعيانهم (33) من العلم بصور التجليات والمعرفة بها، لا غير. فشهود أرباب الاعتقادات الجزئية لا يكون مثل شهود من لا يتقيد باعتقاد خاص ويعتقد حقية الاعتقادات كلها، لكن يحصل لهم الشهود، كما قال، عليه السلام: (سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر). وفي قوله: (ربكم) و في التشبيه ب (القمر (34) ليلة البدر) إيماء بما ذكرنا، إذ لم يقل: إنكم ترون الرب المطلق أو رب غيركم.
(فانظر مراتب الناس في العلم بالله: هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة) و ذلك لأن الرؤية إنما هي بحسب التجلي، والتجلي بحسب العلم بالله وتجلياته، فمراتب الناس في العلم بالله هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة. والعلم بالله لا يكون إلا بحسب الاستعدادات، والاستعدادات متفاوتة بحيث لا نهاية لها، فالرؤية أيضا يتفاوت بحسها يوم القيامة.