(وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك). أي، لتجلى الحق يوم القيامة على صورة الاعتقادات. (فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه). بنفيك إياه. (فيفوتك خير كثير) (35) وهو ما يعطيه رب العقد المنفى. (بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه). لأن الأمر في نفسه غير منحصر، وأنت جعلته محصورا فيما تعتقده.
(فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها. فإن الله، تبارك وتعالى، أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد، فإنه يقول: (فأينما تولوا فثم وجه الله). وما ذكر أينا من أين). أي، ما عين أينا وجهة من غير أين آخر، بل قد أطلق. فكن جامعا للعقائد كلها، مصححا لها بشهود وجوده متجلية لأصحابها، إذ كل منهم عبد لرب يعطيه ما يعتقده، لتكون مشاهدا للحق من جميع وجوهه، مقرا بألوهيته معترفا بوحدانيته، فتسلم عن الحجاب، ويتجلى لك رب الأرباب.
(وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشئ حقيقته. فنبه بهذا قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا). أي، نبه لهذا القول قلوب العارفين لئلا يغفلوا عن الحق ووجوهه حال اشتغالهم بعوارض الحياة الدنيا، بل يشاهدوا فيها أيضا ذات الحق ووجوه أسمائه وصفاته، فيكونوا معه على جميع الأحوال.
(فإنه لا يدرى العبد في أي نفس تقبض، وقد تقبض في وقت غفلة، فلا يستوى مع من يقبض على حضور). لأن المقبوض على الحضور، يحشر متوجها إلى الله، والمقبوض على الغفلة، يحشر وجهه إلى الغير، فيستحق البعد والطرد. نعوذ بالله منه.
(ثم، إن العبد الكامل مع علمه بهذا، يلزم في الصورة الظاهرة والحالة المقيدة) وهي حال الصلاة. (التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام، ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، وهي بعض مراتب وجه الحق في (أينما تولوا فثم وجه الله).