شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧١٠
واعلم، أن الاسم الإلهي كما هو جامع لجميع الأسماء وهي تتحد بأحديته، كذلك طريقه جامع لطرق تلك الأسماء كلها، وإن كان كل واحد من تلك الطرق مختصا باسم يرب مظهره ويعبده المظهر من ذلك الوجه، ويسلك سبيله المستقيم الخاص بذلك الاسم. وليس الجامع لها إلا ما سلك عليه المظهر المحمدي، وهو طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء والأولياء، ومنه يتفرع الطرق وتتشعب.
ألا ترى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما أراد أن يبين ذلك للناس، خط خطا مستقيما، ثم خط من جانبه خطوطا خارجة من ذلك الخط، وجعل الأصل الصراط المستقيم الجامع، والخطوط الخارجة منها جعل سبل الشيطان، كما قال:
(ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). وذلك الصراط المستقيم الجامع ظاهر غير خفى من عموم الأسماء الإلهية، أو من عموم الخلائق كلها.
(في كبير وصغير عينه * وجهول بأمور وعليم) ضمير (عينه) عائد إلى (الله). ولما ذكر أن لله الصراط المستقيم وذاته وهويته مع كل موجود، قال: إن عينه في كل كبير وصغير وعليم وجهول، لا ذرة في الوجود إلا وهي بذاته موجودة. وله الصراط المستقيم، فكل موجود على الصراط المستقيم.
ولهذا وسعت رحمته * كل شئ من حقير وعظيم أي، لأجل أن عين الله وذاته في كل كبير وصغير، وسعت رحمته كل شئ، حقيرا كان في القدر أو عظيما، لأنه رحمان على الكل، كما أنه إله الكل، فيوجد الكل و يرحمهم بإيصال كل منهم إلى كماله. والغضب والانتقام أيضا من عين رحمته، فإن أكثر أهل العالم بهما يصل إلى الكمال المقدر لهم، وإن كان غير ملائم لطباعهم.
((ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم).) أي، ما من شئ موجود إلا آخذ بناصيته. وإنما جعله دابة، لأن الكل، عند صاحب الشهود
(٧١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 705 706 707 708 709 710 711 712 713 714 715 ... » »»