(من عين واحدة يختلف باختلاف الجوارح) أي، تلك العلوم حاصلة من عين واحدة إلهية، وفي ظهورها بمظاهر مختلفة يختلف. (كالماء، حقيقة واحدة يختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات، ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال، لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه). ظاهر.
وفيه تشبيه (العلم الكشفي) بالعذب الفرات، فإنه يروى شاربه و يزيل العطش، كما أن الكشف يعطى السكينة لصاحبه ويريحه. و (العلم العقلي) بالملح الأجاج، لأنه لا يزيل العطش، بل يزداد العطش لشاربه. وكذلك العلم العقلي لا يزيل الشبهة، بل كلما أمعن النظر، يزداد شبهته ويقوى حيرته. وأصل الكل واحد، كما أن الماء واحد بالحقيقة. قال تعالى: (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل).
وإنما شبه العلم بالماء، لكونه سبب حياة الأرواح، كما أن الماء سبب حياة الأشباح. ولذلك يعبر الماء ب (العلم). وفسر ابن عباس، رضى الله عنه:
(وأنزلنا من السماء ماء). بالعلم.
(وهذه الحكمة من علم الأرجل، وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: (و من تحت أرجلهم).) أي، هذا لحكمة الأحدية هي من العلوم التي تحصل بالسلوك. ولما كان السلوك الظاهري بالأرجل، قال: (من علم الأرجل).
ملاحظا قوله تعالى: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم). أي، ولو أنهم أقاموا أحكامهما وعملوا بهما وتدبروا معانيهما وكشفوا حقائقهما، لتغذوا بالعلوم الإلهية الفائضة على أرواحهم، وعرفوا مطلعاتها (6) من غير كسب وتعمل - وهو الأكل من فوقهم - و