شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٥٥٢
الكثيرة). أي، وإن كان للعالم كله علو بالذات من حيث الأحدية، لكن يقع التفاضل في الوجوه الوجودية التي هي المظاهر، بالعلم بالله وعدمه، والأعمال الحسنة وعدمها، والاتصاف بالأحوال وعدمه. ولكل أيضا درجات، كما قال:
(والذين أوتوا العلم درجات). ولأصحاب الأعمال والأحوال أيضا كذلك مقامات ودرجات، كما لمقابليهم من الجهال وأصحاب الشرك والضلال دركات. فحصل العلو الإضافي بين الموجودات بحسبها في العين الواحدة التي هي عين الذات من الوجوه الكثيرة.
(لذلك نقول فيه: هو لا هو، أنت لا أنت) أي، لأجل ذلك الأمر الواحد الظاهر بمظاهر مختلفة، نقول في كل مظهر: إنه هو عين الحق. فنحمله عليه حمل المواطاة بهو هو، وتسلبه عنه بقولنا: (لا هو) لتقيده وإطلاق الحق.
(قال الخراز، (8) رحمه الله، وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته، ينطق عن نفسه ب‍ (أن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها: وهو الأول والآخر والظاهر والباطن. فهو عين ما ظهر في حال بطونه، وهو عين ما بطن في حال ظهوره (9) وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه). و

(8) - أحمد بن عيسى الخراز، المعروف بأبي سعيد، من أجلة عصره في المعرفة. ولد في دار السلام بغداد، ومات في سنة 227. وقد عبر بعض أرباب السير عنه بأبي سعيد البغدادي. في الفتوحات: (قيل لأبي سعيد الخراز: بم عرفت الله؟ قال: بجمعه بين الضدين: فكل عين متصفة بالوجود، فهي لا هي، والعالم كله هو لا هو، والحق ظاهر بالصورة، هو لا هو. فهو المحدود الذي لا يحد والمرئي الذي لا يرى...) (ج) (9) - في التوقيع المبارك عن مولينا وسيدنا، صاحب الأمر، عجل الله فرجه وأرواحنا له الفداء، في الأدعية الرجبية: (يا باطنا في ظهوره وظاهرا في بطونه ومكنونه). صدق ولى الله، روحي فداه. قال شيخنا العارف، دام ظله: والصور المرآئية مثال ذاك الظهور والبطون:
فإن المرآة ظاهرة بهذه الصور، وهي باطنة أيضا بهذه الصور، فإنها عين المرآة الظاهرة، و هي محتجبة بها، فإنه لا يمكن رؤية المرآة بنفسه لاحتجابها. وكذا الحال في الصور الذهنية.
(الإمام الخميني مد ظله)
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»