العرش استوى)) إلى آخره. ومعناه: فالذي كان عليا لذاته في مرتبة أحديته و مقام ألوهيته، هو أيضا على بعلو المكان والمكانة في مرتبة أخرى، كغيره مما ليس له العلو الذاتي. وهذا من جملة ظهور الحق بالصفات الكونية، كقوله: (مرضت فلم تعدني).، (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا). فالعلو للمكان والمكانة و للحق بتبعيتهما، كما جعل نفسه وكيلا للعباد بقوله: (ألا تتخذوا من دوني وكيلا). وقوله: (رب المشرق والمغرب، لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا). مع أنه مالك الملك كله. وذلك لأنه تجلى لهما باسمه (العلى)، فجعل لهما العلو، ثم جعل لنفسه العلو بتبعيتهما في بعض مراتب التنزلات. ومن علم أن ليس في الوجود إلا هو، علم أن العلى بالذات وبالتبعية أيضا لا يكون إلا هو، وعلم أن كل ما هو على بالتبعية، هو أيضا على بالعلو الذاتي، كما يقرره بقوله: (فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو).
(فعلو المكان ك (الرحمن على العرش استوى). وهو أعلى الأماكن. وعلو المكانة: (كل شئ هالك إلا وجهه). و (إليه يرجع الأمر كله).، (أ إله مع الله).
) أي، فما يقتضى نسبة العلو المكاني إليه، هو قوله: (الرحمن على العرش استوى).
فإن العرش أعلى الأماكن، وهو مستو عليه بحسب ظهوره فيه، فله العلو المكاني. ولا تناقض بين قوله: (وهو يتعالى عن المكان لا عن المكانة) وبين إثباته له. فإن ذلك التعالي بحسب الذات، لا بحسب المظاهر والأسماء، والإثبات بحسبهما. وكذا ما يقتضى نسبة علو المكانة إليه هو: (كل شئ هالك...). إذ البقاء مع هلاك الأشياء. وكونه مرجع الأمور والانفراد بالإلهية منزلة عظيمة و مكانة رفيعة لا يمكن أن يكون فوقها مرتبة.
(ولما قال تعالى: (ورفعناه مكانا عليا) فجعل (عليا) نعتا للمكان). جواب (لما) محذوف اكتفاء بجواب (لما) الثاني. أي، لما قال كذا، علمنا أن علو المكان ليس لكونه مكانا، إذ لو كان كذلك لكان لكل مكان، بل اختصاص من الله لذلك المكان، وذلك الاختصاص هو المكانة.
وقال أيضا: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة). فهذا